تحتفي المملكة قيادةً وشعباً يوم غدٍ الخميس 16 صفر 1443هـ الموافق 23 سبتمبر 2021م، باليوم الوطني الواحد والتسعين، بعد الإعلان التاريخي للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – عن توحيد المملكة العربية السعودية تحت راية “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، بعد جهاد وكفاح ونضال امتد اثنين وثلاثين عامًا، أرسى خلاله قواعد هذا البنيان الشامخ، ووطد أركانه، على هدى كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين – صلى الله عليه وسلم – سائرًا في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود.
ويستذكر أبناء المملكة ومن يقيمون على أرضها يومًا مجيدًا أضحى فيه الإنسان السعودي شامخًا يعتز بدينه ووطنيته تحت ظل حكومة راشدة جعلته أول أهدافها نحو تطويره وتمكينه، ليرتقي بين شعوب العالم بكل فخر وعزة، حاملًا لقب “المواطن السعودي”، مستشعرين قيمة هذه المناسبة وهم يعيشون واقعًا جديداً حافلاً بالمشروعات التنموية الضخمة التي تقف شاهدًا على تقدم ورقي المملكة.
ويعيش أبناء المملكة صور وملاحم ذلك التاريخ وأكفهم مرفوعة اليوم بالدعاء إلى لله – عز وجل – أن يجزي الملك عبد العزيز – رحمه الله – خير الجزاء، فله الفضل بعد الله فيما نحن فيه من نعم كثيرة، يرفعون أكفهم بالدعاء لكل ملوكنا الذين تعاقبوا خدمة للإسلام والمسلمين – رحمهم الله جميعًا – ولقائد مسيرتنا وحامي بلادنا ومصدر فخرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله -، ذلك الاسم الذي جمع في حروفه الخمسة صفتين قلّ أن يتصف بهما حاكم أو قائد، وهما “السلم والأمان” .. ندعو لسلمان؛ لأنه جنح بالمملكة نحو سلم يتمتع به جميع مواطنيها، ولأنه نصر المظلوم ووقف مع الجار في سلمه وأمنه.
وفي هذه المناسبة تبرز شخصية بطل ملحمة التوحيد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، ولا يسع الوقت ولا المكان للقليل من سيرته وتاريخه العظيم كمؤسس للوطن الكبير المملكة العربية السعودية وكقائد ملهم.
لقد أفنى الملك المؤسس – رحمه الله – عمره، في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح قبل أكثر من تسعة عقود تحت وطأة التناحر والخوف والهلع وشظف العيش، ليؤسس -بفضل الله تعالى- دولة فتية تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.
ولد الملك المؤسس في مدينة الرياض عام 1293هـ بحسب ما ورد في مجلد طبعته دارة الملك عبدالعزيز عن سيرة وشخصية الملك عبدالعزيز ومراحل بناء الدولة السعودية الثالثة.
وتقع مدينة الرياض في وسط الجزيرة العربية بنجد، وكان أقدم ذِكر لموقع الرياض في المصادر التاريخية يعود إلى عام 715 ق م، وذلك في سياق ذكر مدينة حجر التي فقدت قيمتها في القرن العاشر الهجري، وتناثرت إلى قرى صغيرة مثل: العود، والبنية، ومعكال، والصليعاء، وجبرة، وهي أماكن لا يزال بعضها معروفًا إلى الآن في مدينة الرياض.
ولا غرو أن يصرَّ الملك عبدالعزيز – رحمه الله – على إعادة الرياض التي تعد امتدادًا تاريخيًا لمسيرة الآباء والأجداد، وولد وترعرع فيها، ونهل من علمائها بعد أن عهد به والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود – رحمه الله – إلى القاضي عبدالله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم والقراءة والكتابة وهو في سن السابعة من عمره، وفي سن العاشرة تلقى تحصيله في الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، وبالتوازي مع ذلك كان الملك عبدالعزيز يتعلم ركوب الخيل، ومهارات الفروسية.
وتأثرت شخصية الملك عبدالعزيز كثيرًا بشخصيّة والده الإمام عبدالرحمن الفيصل – رحمهما الله – حيث كان أبًا وُمعلمًا وأخًا وصديقًا لابنه، فضلاً عن شخصية والدته الأميرة سارة السديري التي كانت من أكمل النساء عقلاً وتدبيرًا، وكان محبًا لإخوته (خالد، فيصل، فهد، محمد ونورة)، لكن علاقته بالأميرة نورة – رحمها الله – كانت أكثر حميمية، واحتلت مكانة كبيرة في نفسه – رحمه الله -، حتى إنه ينتخي بها بالقول: “أنا أخو نورة أنا أخو الأنوار”، ويحرص على زيارتها يوميًا في منزلها.
وللملك عبدالعزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، وفي المقابل كانت له صورة باسمة مشرقة بأسارير متهلّلة بما عُرف عنه – رحمه الله – من لين الجانب والتواضع والمرح، وعدم تكلّفه في الحديث مع أبناء شعبه ورعيته، فضلاً عن كرمه وسخائه مع الجميع، فلم يكن ملكًا فقط، بل كان رب أسرة ومحبًا للجميع، ورجلاً قدوة في أفعاله وسلوكياته.
وأبهرت شخصية الملك عبدالعزيز الكثير من المفكرين والمؤرخين في العالم، ومنهم المؤرخ الصيني البروفيسور يانغ يان هونغ الذي قال عنه : “لقد كان الملك عبدالعزيز أحد العباقرة الذين قدموا لأممهم وأوطانهم خدمات جليلة بجهودهم الجبارة التي لا تعرف الكلل أو الملل، وأثروا في تطور المجتمعات البشرية وتقدمها نحو الغاية المنشودة، وسجلوا مآثر عظيمة في السجل التاريخي المفعم بالأمجاد الخالدة”.
ووصف الدكتور فون دايزل النمساوي الذي زار المملكة عام 1926م الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بالنابغة، مستشهدًا بالقول: “إذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف إمبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معًا بعد أن كان زعيمًا لا يقود في بادئ الأمر سوى عدد من الرجال وتمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده، لم يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يُسمّى نابغة”.
وُعرف عن الملك عبدالعزيز احترامه الكبير للعلماء طيلة فترة حياته – رحمه لله –، فكان يقدمهم على إخوته في مجلسه، ويستمع إليهم، ومبعث ذلك إيمانه التام بقيمة العلم والعلماء وأثرهم في الحياة، وأن احترامهم وحسن العلاقة بهم والاستئناس بآرائهم واجب تمليه العقيدة الإسلامية التي ظل مطبقًا لمنهجها – رحمه الله – في حياته الخاصة والحياة العامة في البلاد، ومضى على ذلك النهج من بعده أنجاله الملوك البررة.
ومرّ الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بأحداث ومحطات متعددة في حياته كانت مؤثرة في بناء شخصيته الفذّة خاصة منذ أن بلغ سن الخامسة عشر، لكن هذه الأحداث أسهمت في صقل شخصيته حيث تعلّم منها الصبر والقوة والإقدام.
وعدّ المؤرخون خروج الملك عبدالعزيز، مع والده الإمام عبدالرحمن – رحمهما الله – وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الحدث الأصعب في حياته، وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة “يبرين” في الأحساء، ثم البحرين إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات، ظل فيها الملك عبدالعزيز معلق القلب بالرياض.
و”يبرين” التي اتخذها الملك المؤسس مقرًا له لتنفيذ خطته في إعادة الرياض تعد واحًة من واحات الأحساء بمحاذاة رمال الربع الخالي من الشمال.
وعندما بلغ الملك عبدالعزيز سن العشرين من عمره وهو في الكويت توجّه في الخامس من شهر رمضان عام 1319هـ إلى الرياض في رحلة بطولية قاد مسيرتها بصحبة رجاله ليتمكنوا -بفضل الله تعالى- من اختراق جوف الصحراء التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحّارة، صائمين رمضان لربهم، قبل أن يأتي عليهم يوم العيد وهم في موقع يطلق عليه “أبو جفان”.
وفي اليوم الرابع من شهر شوال من عام 1319هـ وصل الملك عبدالعزيز ورجاله إلى “ضلع الشقيب” الذي يبعد عن مدينة الرياض نحو ساعة ونصف مشيًا على الأقدام، ومن الضلع تقدموا إلى الرياض التي دخلها الملك عبدالعزيز بذكاء القائد المحنك، وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عملية بطولية حامية الوطيس لم تدم طويلًا، طوى خلالها الملك عبدالعزيز زمن العهد الغابر في الرياض، معلنًا بداية العهد الزاهر في نجد بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإمامًا لأهلها، وذلك عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض، فدبّ الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو الازدهار الحضاري.
وتمكّن الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – بفضل الله تعالى عبر رحلة طويلة أضناه فيها طول المشي والتفكير من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح بمحبة الناس ملكًا لدولة سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبح لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.
واهتم الملك عبدالعزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق الأول من برج الميزان 23 سبتمبر 1932م.
ووجه الملك عبدالعزيز عند بداية تنظيم الدولة بالاهتمام بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة، بيد أن هذه الجهود كانت تتطلب توفير المال لتنفيذها.
وتماشيًا مع الرغبة في النهوض بالبلاد، بدأت في خريف عام 1933م عمليات التنقيب عن النفط في بعض أراضي المملكة، لكن مضت أربعة أعوام عجاف لم تثمر أعمالها عن الوصول إلى نتيجة إيجابية مرضية لاكتشاف مكامن النفط، إلى أن قرّر الخبراء التنقيب حول بئر ماء في منطقة تسمى “عين جت” كان الملك عبدالعزيز قد توقّف عندها عام 1319هـ في طريقه من الكويت إلى الرياض، فكانت المفاجأة وجود النفط على عمق 5 آلاف قدم تحت الأرض.
وانتعشت الأرض الصحراوية بخروج الذهب الأسود الذي حوّل الصحراء القاحلة المؤنسة بهدير الرياح إلى مدينة ممتلئة بالعمال والمهندسين وخبراء النفط.
وفي عام 1939م ضخ النفط أول بشائره في احتفال شهده الملك ، ليستهل بعدها مشروعات الدولة التي خطط لها رحمه الله.
وكان اهتمام الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي، حيث كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى، آخذًا في الحسبان استقلال المملكة برأيها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول، دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية، وهو ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، وأصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.
وفي شهر محرم من عام 1373هـ ترجّل الفارس الملك عبدالعزيز عن صهوة جواده بعد أن اشتد عليه المرض أثناء إقامته في الطائف.
وفي فجر الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م فاضت روحه – رحمه الله – إلى بارئها.
تُوفي – رحمه الله – بعد أن سار في رحلة طويلة عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة فتية أسّست على التوحيد لتظل – بفضل الله – في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر.
وُوري جثمان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – في مقبرة العود وسط مدينة الرياض.
وقد اهتم الملك عبدالعزيز بجمع المؤلفات العلمية خلال حياته على الرغم من انشغاله بمرحلة بناء الدولة في ذلك الوقت، فكان شغوفًا بالاطلاع على الكتب العربية المعنية بمختلف العلوم، خاصة العلوم الشرعيّة وطباعة معظمها على نفقته، وتوزيعها مجانًا للاستفادة منها، ليتحقّق حاليًا رصد 1468 مجلدًا نادرًا في مكتبته الخاصة.
وتناولت كُتب ودوريات مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصة في مقرها بدارة الملك عبدالعزيز بالرياض معارف نادرة ومتميّزة في مجالات العلوم الشرعية والتراجم والجغرافيا والتاريخ الإسلامي والعام واللغة العربية وآدابها مرتّبة وفق فهرسة رقمية تسهّل على الباحثين والدارسين عناء البحث في المجالات العلمية والفكرية والإسلامية.
وعدّت المكتبة مصدرًا مهمًا من مصادر التاريخ الحديث في المملكة العربية السعودية، خاصة ما يتعلق بعلاقة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بالعلم والمعرفة، كما تحمل كتبها في طياتها وأغلفتها عبارات وشواهد تاريخية سطّرها العديد من المؤرخين والمؤلفين المعروفين في العالمين العربي والإسلامي في ذلك الزمان.
وحرص الملك عبدالعزيز – رحمه الله – أثناء حياته على نشر الكتب وطباعتها وتوزيعها على الناس عامة وطلبة العلم خاصة في داخل المملكة وخارجها، كما ساعد بعض المؤلفين على الاستمرار في نشاطه العلمي من خلال شراء نسخ عديدة من الكتب المطبوعة وتوزيعها على نفقته الخاصة.
وتخصّصت الكتب التي أمر بطباعتها الملك عبدالعزيز إبّان فترة حياته في مصنفات العقيدة والتفسير والفقه لأعلام السلف مثل: الشيخ أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ ابن قدامة المقدسي، ومن بينها كتابا “المغني” و “الشرح الكبير” اللذان ُطبعا على نفقة الملك عبدالعزيز عام 1340هـ، كما شملت الكتب التي طُبعت تخصّصات اللغة العربية وآدابها، والتاريخ الإسلامي، والجغرافيا.
وقد طبعت تلك المؤلفات المنشورة على نفقة الملك عبدالعزيز – أسكنه الله فسيح جناته – في مطابع عدة منها: المطبعة المصطفوية في بومباي بالهند، ومطبعة القرآن والسنة في أمرتسد بالهند، ومطبعتي المنار والنهضة في مصر، ومطبعتي الاعتدال والترقي في دمشق، والمطبعة السلفية في مكة المكرمة والقاهرة، ومطبعة أم القرى بمكة المكرمة.
وتوثّق دارة الملك عبدالعزيز تاريخ الدولة السعودية وحكامها لتكون مرجعًا مهمًا وملهمًا في متابعة تلك البطولات التي باتت شاهدًا على عظم الرؤية نحو تأسيس دولة تعانق السماء كلما تقدم بها التاريخ.
ومع مطلع العام 1440هـ أطلقت دارة الملك عبدالعزيز مشروعاً توثيقياً بمناسبة مرور 200 عام على الرياض عاصمة للدولة السعودية، عبارة عن خرائط وصور ومخطوطات ومعلومات على موقعها الإلكتروني وحسابات الدارة الرسمية على المنصات في وسائل التواصل الاجتماعي.
وترصد الدارة خلال مشروعها القيمة التاريخية والجغرافية والسياسية للرياض، كعاصمة واكبت قيام المملكة العربية السعودية وتوحيد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله -، حيث مرّت الرياض بأحداث ذات أهمية تاريخية نظراً لموقعها الجغرافي المتميز والعوامل الطبيعية التي حباها بها الله، وهو ما يشير إلى تسميتها باسم الرياض, مستعرضة الحقب التاريخية التي مرت بها المدينة.
وعرضت الدارة صدور الأمر الملكي بإعلان توحيد البلاد وتسميتها باسم المملكة العربية السعودية عام 1351هـ / 1932م ، وتوّج هذا الإعلان جهود الملك عبد العزيز الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، وبهذا الإعلان أصبحت الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية التي أصبحت دولة عظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية.
ووظفت الدارة عبر مشروعها التوثيقي بمناسبة مرور 200 عام على اختيار الرياض عاصمة للدولة السعودية لغة الصورة وتسلسل الأحداث والحقب الزمنية على مدينة الرياض، إلى أن أصبحت اليوم واحدة من أسرع مدن العالم في النمو والازدهار، محققة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- مستوى عاليًا من التطور في شتى المجالات.
وأنهت دارة الملك عبدالعزيز عبر هذا المشروع والمحتوى الإثرائي السرد المعرفي لما تشهده مدينة الرياض حاليًا من طفرة كبيرة ونهضة عمرانية، بما يضمن المستقبل المشرق لأبناء الوطن، ويحقق الفائدة للأجيال القادمة ويؤمِّن لها العيش الرغيد، تحت مظلة القيادة الرشيدة – أيدها الله -.
وتعرض الدارة في مناسبات الوطن الفيلم الوثائقي المرئي عن توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز الذي ترجم إلى عدة لغات عبر موقعها الإلكتروني www.darah.org.sa وحسابها على “يوتيوب” ، و “فيس بوك” وذلك على حلقات متتابعة تتضمن الأحداث المختلفة التي خاضها الملك المؤسس ومراحل استعادته الرياض ، إذ يُعد الفيلم ضمن إصدارات الدارة التي توثّق التاريخ الوطني والحفاظ على الموروث الحضاري، والمصادر التي تستند إلى مرجعية راسخة وقوية.
ويقف الباحثون والمؤرخون وقفة تأمل وإعجاب في تاريخ هذا الكيان الشامخ على البناء وتخطي العوائق والصعاب والتغلُّب على كل التحديات بفضل من الله وتوفيقه أولا، ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجُّه، في ظل تحكيم شرع الله والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل مناحي الحياة.
يتأملون ونحن معهم قيام الدولة السعودية الأولى 1157هـ بمناصرة الإمام محمد بن سعود دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الهادفة إلى العودة إلى الإسلام الصحيح وتصحيح المعتقدات مما شابها من الشبهات، حيث تعاهدا – رحمهما الله – على التعاون للعودة بالمجتمع في جزيرة العرب إلى عقيدة الإسلام كما كانت عليه في صدر الإسلام، وسارا على هذا السبيل لتحقيق هذا الهدف الكبير.
بعد ذلك تتابع جهاد آل سعود منطلقين من الهدف ذاته، فلم تنطفئ جذوة الإيمان في قلوب الفئة المؤمنة بانتهاء حكم الدولة السعودية الأولى بعد زهاء ستة وأربعين عامًا بسبب التدخل الأجنبي.
وفى العام 1240هـ، قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام المؤسس الثاني تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود -رحمه الله – الذي واصل ومن بعده أبناؤه نهج أسلافهم نحو ثمانية وستين عامًا.
وبزغ فجر اليوم الخامس من شهر شوال من العام 1319هـ إيذانًا بعهد جديد، حيث استعاد الموحّد الباني الملك عبد العزيز – رحمه الله – مدينة الرياض ملكَ آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام فوضع أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية، هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم.
ويمضي بنا هذا التاريخ الجميل لنعيش معاني قوة الرجل الباني المؤسس الملك عبد العزيز ورجاله، الذين على الرّغم من قلّة عددهم وعتادهم، انطلقوا من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاد حتى جمع الله بهم الصفوف وأرسى دعائم الحق والعدل والأمن والأمان لتتوحد القلوب على كتاب الله وسنة نبيه – عليه أفضل الصلاة والسلام – وكذلك أرجاء البلاد، حيث أينعت حينها تلك الجهود أمنًا وأمانًا واستقرارًا وتحققت لحمة وطنية تسير على هدي الكتاب والسنة.
وانطلاقًا من النهج الإسلامي القويم دعا – رحمه الله – إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم فاعلًا في تأسيس جامعة الدول العربية وفي الأمم المتحدة عضوًا مؤسسًا، كما سجّل له التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث العالمية والقضايا الإقليمية والدولية.
وانتهج الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – في تعامله مع مواطنيه سياسة قائمة على الشورى وعلى التناصح مع الرعية واغتنام الفرص لتبادل الرأي والنصح مسترشدًا بما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف.
وكان لهذا النهج القويم الذي سار عليه الملك عبدالعزيز وتبعه في ذلك أبناؤه من بعده الأثر الكبير فيما تعيشه المملكة من تطور كبير قائم على تعاضد الدولة والمواطنين، وتجسيداً لهذا النهج كانت لقاءات الملك عبدالعزيز مستمرة ومتواصلة مع المواطنين يقدم لهم النصح ويسدي لهم التوجيه وعلى الرغم من أنه كان يعمل أكثر مما يقول إلا أنه ترك لنا كلمات خالدة، فكلمته موقف يُلتزم به ونهج يّقتدى به وحق يُصدّع باطل الأعداء.
وفي الخطاب الذي ألقاه الملك عبدالعزيز – رحمه الله – في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى في السابع من ربيع الأول من عام 1349هـ الموافق الأول من أغسطس 1930م يتضح مدى إدراكه أمور الدولة صغيرها وكبيرها وحرصه التام على تقدُّم هذه البلاد ورقي شعبها حيث قال – رحمه الله – مخاطباً أعضاء المجلس: “إنّ أمامكم اليوم أعمالاً كثيرة من موازنة للدوائر الحكومية، ونظم من أجل مشاريع عامة تتطلب جهودًا أكثر من جهود العام السابق وإنّ الأمة تنتظر منكم ما هو المأمول منكم من الهمة وعدم إضاعة الوقت الثمين إلا بما فيه فائدة البلاد المقدسة”.
وحرص الملك عبدالعزيز – رحمه الله – على إرساء مبادئ السياسة السعودية من منطلق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، حيث أصبحت هي النهج الذي يتوخاه في كل علاقاته وتعاملاته مع الآخرين ومن خلال هذا النهج اكتسبت السياسة السعودية الصدق والوضوح الذي تسير عليه حتى اليوم في تعاملاتها مع الدول كافّة.
وفي ذلك يقول الملك عبدالعزيز مخاطبًا أعضاء مجلس الشورى ومحدّدًا لهم الطريق الصحيح الذي يسلكونه والمنهج السوي الذي يسيرون عليه: “وإنكم تعلمون أنّ أساس أحكامنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي وأنتم في تلك الدائرة أحرار في سَنِّ كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقًا لصالح البلاد على شرط ألا يكون مخالفًا للشريعة الإسلامية، لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيدًا لأحد، والضرر كل الضرر هو السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم -“.
كلمات وضع فيها قائد الإصلاح وموحِّد هذه البلاد تعاليم الإسلام دائمًا نصب عينيه، ويعطيها الأولوية في جميع مناحي الحياة، فما يتفق مع الإسلام يأخذ به، وما يتنافى مع الإسلام يتركه غير مأسوف عليه.
ويواصل الملك عبدالعزيز خطابه إلى أعضاء مجلس الشورى يحثّهم فيه على تأمين راحة الحجاج، حيث يقول: “ولا أحتاج في هذا الموقف أن أذكركم أنّ هذا البلد المقدّس يتطلب النظر فيما يحفظ حقوق أهله وما يؤمِّن الراحة لحجاج بيت الله الحرام، ولذلك فإنكم تتحملون مسؤولية عظيمة إزاء ما يعرض عليكم من النظم والمشاريع سواء كانت تتعلق بالبلاد أو بوفود الحجاج من حيث اتخاذ النظم التي تحفظ راحتهم واطمئنانهم في هذا البلد المقدّس”.
وقد أدرك الملك عبدالعزيز بحنكته أن التلاحم والتواصل بين القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح هما من أفضل السبل وأنجعها لخدمة الوطن والمواطنين ولتقدم البلاد ورقيها، ففي الحفل الذي أقامه الملك عبدالعزيز في جدة في الخامس والعشرين من محرم عام 1355هـ الموافق السابع عشر من أبريل 1946م بمناسبة انتهاء موسم الحج وقرب سفره إلى الرياض، قال رحمه الله: “المقصد من اجتماعنا الليلة أن نتناصح ونتعاضد ويطلع كل منا على ما عند الآخر من جهة، ومن جهة أخرى لنودعكم لأننا على جناح سفر وسنغادر هذا البلد قريبًا، وإنه ليُعزّ علينا مغادرته ولكن المصلحة تقضي بهذه التنقلات ثم هناك مسألة أحب أن أشرحها لكم لأن في نفسي منها شيئًا … أنا لا أحب أن أشقّ على الناس، ولكن الواجب يقضي بأن أصارحكم.. إننا في أشد الحاجة إلى الاجتماع والاتصال بكم لتكونوا على علم تام بما عندنا ونكون على علم تام بما عندكم، وأود أن يكون هذا الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا إلينا مطالب شعبنا ورغباته وتحملوا إلى الشعب أعمالنا ونوايانا.. إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقًا دائمًا، لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب.. لذلك سيكون مجلسي مفتوحًا لحضور من يريد الحضور”.
واستمراراً على نهجه الكريم في توجيه النصح للرعية وشرح مالها وما عليها قال -رحمه الله- في الخطاب الذي ألقاه في الحفل التكريمي الذي أقيم على شرفه بمناسبة سفره إلى الرياض في الثاني من صفر 1355هـ الموافق للرابع والعشرين من أبريل 1936م: “إنّ على الشعب واجبات وعلى ولاة الأمر واجبات.. أما واجبات الشعب فهي الاستقامة ومراعاة ما يرضي الله ورسوله ويصلح حالهم والتآلف والتآزر مع حكومتهم للعمل فيما فيه رقي بلادهم وأمتهم … إن خدمة الشعب واجبة علينا لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص”.
ومن المنطلق ذاته الذي أدار به الملك عبدالعزيز شؤون بلاده ومواطنيه بنى رحمه الله علاقات بلاده مع أشقائها العرب والمسلمين وأقام علاقات قوية مع المجتمع الدولي.
وكان صريحًا في تعامله مع القضايا التي تهم أمته على الصُّعُد كافة، وقد أثبتت الأحداث المتعاقبة حتى يومنا هذا رؤيته الصائبة ونهجه الصحيح في أقواله وأفعاله، فكانت تلك الرؤية وذلك النهج القاعدة والأساس القويم الذي تسير عليها المملكة في جميع تعاملها داخليًا وخارجيًا.
ورحل والدنا الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بعد أن أرسى منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه.
وكان الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – أول السائرين على ذلك المنهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة.
وجاء من بعده رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – فتتابعت المنجزات الخيّرة وتوالت العطاءات وبدأت المملكة في عهده تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية.
وتدفقت ينابيع الخير عطاءً وافرًا بتسلّم الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – الأمانة فتواصل البناء والنماء خدمة للوطن والمواطن بخاصة والإسلام والمسلمين بعامة واتصلت خطط التنمية ببعضها لتحقق المزيد من الرخاء والاستقرار.
وازداد البناء الكبير عزًا ورفعة وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز بعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – ملكًا على البلاد، حيث تميّزت الإنجازات في عهده بالشمولية والتكامل لتشكّل عملية تنمية شاملة في بناء وطن وقيادة حكيمة فذّة لأمة جسّدت ما اتصف به – رحمه الله – من صفات عديدة من أبرزها تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله وتفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني أجمع.
وشهدت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – المزيد من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد الوطن في مختلف القطاعات التعليمية والصحية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة والاقتصاد.
ونعيش اليوم جميعنا حاضرًا مميزًا، ونتطلع لمستقبل أكثر تميّزًا، تملؤنا الثقة بعنوان المرحلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي يبذل – أيده الله – منذ توليه الحكم ، جهدًا في المضي قدمًا بمسيرة الوطن، فقد تعدّدت نشاطاته في مختلف المجالات على المستويين الداخلي والخارجي ،سبقها مهام ومنجزات في مراحل مختلفة خلال تقلده – رعاه الله – العديد من المناصب.
واليوم تمرُّ بنا مناسبة اليوم الوطني ونحن نعيش واقعًا مشرقًا أرساه المؤسس الباني الملك عبدالعزيز، نستعيد فيه مناقب ذلك البطل، الذي قال : “أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب.. أنا رجل عمل إذا قلت فعلت وعيب علي في ديني وشرفي أن أقول قولاً لا أتبعه بالعمل وهذا شيء ما اعتدت عليه ولا أحب أن أتعوده أبدًا”.