إن من أعظم الأشياء الجميلة التي توارثتها البشرية كابراً عن كابر هي مكارم الأخلاق وهذه الصفة أو الصفات ليست كلمات تقال وعبارات تلوكها الألسن وكتابات ومقالات ندونها فقط دون ان تُطبق على أرضِ الواقع وتُعلم للنشئ حتى تكون من آكد الصفات التي يتحلون بها وتكبر معهم وتلازمهم ملازمة الظل وأعظم القول في هذا الشأن ما قاله سيد ولد آدم ﷺ (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهذا دليل على أن هذه الصفة موجودة منذ أن خلق الله البشرية ووضع فيهم هذه المكارم ليتعايشوا بها وتعيش معهم وفيهم ، وقد قال رسول الله ﷺ حين وقفت سفانة بنت حاتم الطائي أمامه وتسأله أن يطلق سراحها ومن معها من أسرى قبيلة طيئ فأطلق الرسول الكريم ﷺ سراحها وقال لأصحابه ( اطلقوا سراحها فإن اباها كان يحب مكارم الاخلاق) أو كما قال ﷺ…
نعم فلِعِظم مكارم الأخلاق والتحلي بها فك الرسول أسر سفّانة ونفعت مكارم أخلاق أبيها في هذا الموقف فما هي مكارم الأخلاق ؟! إنها وبكل بساطة احترام الإنسان لأخيه الإنسان كونه إنسان وكفى لا ننظر إلى شكلة أو لونه أو جنسه أو مظهره فالإنسان بمخبره وجوهره لا بمظهره ، وأيضا إكرام الضيف وإغاثة الملهوف والحدب على الفقير المعدم واحترام الجار واحترام من تحت يدك من خادم وخادمة وليعلم الإنسان أن بعض الناس قد اضطرتهم ظروفهم المعيشية أن يسافروا إليه ويعملوا بين يديه عمالاً وخدماً وموظفين وهم أعزاء في بلدانهم وبين أهليهم ولكن الحاجة جعلتهم يضربون في الأرض ليبتغوا من فضل الله وطلباً للرزق الذي يقيم أودهم فليس من الشهامة ومكارم الأخلاق أن يهانوا لأنهم أصبحوا خدماً عنده ، وليكن لنا في رسول الله أسوة حسنة ولننظر كيف كان يعامل الرسول هذه الفئة من الناس كان أشد رأفة بهم ورحمة بحالهم وقال للأمة جمعاء (أخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس) أليست هذه من مكارم الأخلاق ، وقال (من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له دابة فليتخذ دابة) أليست هذه من مكارم الاخلاق وغيرها كثير ، ومن المؤسف أن كثيراً من الناس يغفل عن هذه الأمور الكبيرة ويظن أن مكارم الأخلاق هي فقط في إكرام الضيف فنجده يبالغ مبالغة فجة مقيتة في هذا المجال فيصل الأمر به الى حد الهياط كما يقال ويتفاخر بذلك ويرفع عقيرته بهذا الأمر وهو لم يستطع أن يكرم عاملاً أو خادماً او موظفاً واحداً ممن تحت يده فهذا ليس كرماً إنما هو رياء وسمعة ليقال عنه كريم فإذا دعي لأمر لا يراه الناس فيه ولا يسمعونه كان اكثر الناس بخلاً وقسوةً وشحاً فأين مكارم الأخلاق ؟! ، لذلك قلنا في بادئ الكلام إن هذه الصفات اي مكارم الأخلاق ليست كلمات تقال إنما هي أفعال تبين معادن الناس تبين أخلاقهم وتربيتهم وأصالتهم فكم من قوم حسبهم الناس من الذين يحملون مشاعل مكارم الأخلاق وحسبهم الناس منارات لمكارم الأخلاق فإذا بهم عند أول اختبار سقطوا سقطة مدوية بلغت إلى الملأ الأعلى فيا حسرة على العباد، إن مكارم الأخلاق شيء عظيم وكبير جداً لو تحلت بها الأمة لعاشت في رغد العيش ولعاشت في كنف الرحمن هانئة مطمئنة ، إن مكارم الاخلاق هي النبل والشهامة والكرم بدون رياء أو سمعة أو (هياط) والحدب على الناس وإنزال الناس منازلهم ومعاملة الناس معاملة حسنة نعم أقول الناس كل الناس وللأسف هناك من يسوّد الصفحات ويكتب مئات الرسائل في الأخلاق والقيم ، فمثلا وهو يتكلم عن عامل النظافة كلمات جميلة راقية فإذا وقف على أرض الواقع ووقف أمامه هذا الذي كان يمجده في رسائله يستنكف أن ينظر إليه او يلقي عليه التحية احتقارا له ولعمله وهذا هو الرياء بعينه والنفاق الإجتماعي بذاته ، إن مكارم الأخلاق سلوك يطبق عملياً وواقعاً ملموساً نستشعره في دواخلنا وذواتنا ، مكارم الأخلاق أن نعيش سوياً على هذا الكوكب الذي يجمعنا ، أن نحترم بعضنا أن نحرص على مقدرات بلادنا أن نحافظ على مرافقنا أن نضع أيدينا على أيدي بعضنا لنرتقي بمجتمعاتنا وبلادنا أن نرد كل ما يعكر صفو حياتنا أن نرتقي بالأخلاق والقيم والمبادئ التي حث الشرع على قيامها مكارم الأخلاق أن يحترم صغيرنا كبيرنا ويحدب كبيرنا على صغيرنا أن نتناصح في ما بيننا أن نتواصى بالحق وبالصبر على بعضنا مكارم الأخلاق شيئ عظيمٌ جداً وجميلٌ جداً إن تحلينا بها عشنا في رقي وتقدم وحضارة.
وكما قال الشاعر :-
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
مكارم الأخلاق نبل وشهامة ورقي بدونها لا ترتقي الأمم والمجتمعات والأسر والدول….
نسأا الله أن يردنا اليه رداً جميلا ويصلح نياتنا ويقبل بقلوبنا اليه سبحانه ويعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب