تُرى ما الذي أقلقها

رأيت مقطع فيديو شدني كثيراً بل أثّر فيّ كثيراً حتى أنني أعدت نشره في قنوات التواصل لشدة تأثّري به هذا المقطع يظهر فيه إمرأة عجوز مسلمة من أمهاتنا من الجنسية التركية قد داهم بيتها سيلٌ عرِم ناتج عن فيضان في إحدى المدن ظهرت هذه العجوز المباركة وهي قلقة جداً وهي تبحث بين أغراضها التي غمرتها السيول ودفنت معظم تلك الأغراض، نعم كانت تبحث بقلق شديد عن شيء ثمين ضاع منها وهناك جنود شبان من الذين حضروا لينقذوا السكان مما أصابهم في ذلك الفيضان ، فأخذت المرأة تبكي بحرقة حزناً على ضياع ذلك الشيء الثمين والثمين جداً فقال الجنود لقد وجدناه يا خالة فلا تبكي لقد وجدناه ترى ما هو ذلك الشيء الثمين جداً الذي فقدته المراة وأخذت تبحث عنه بهذا القلق الشديد وكم فرحت عندما قال لها الجنود لقد وجدناه يا خالة وأخذوا يغسلونه وينظفونه مما علق به من طين ، أتدرون ما هو ذلك الشيء الثمين؟! إنه ليس صندوق تحفظ فيه مجوهرات بآلاف الريالات ولا شيء قديم من التحف القيمة التي ورثته عن امهاتها واجدادها ابداً والله ابداً إنه شيء أثمن من كل ما يقتنيه المرء من جواهر وذهب ولؤلؤ كان ذلك الشيء الذي اطار عقل تلك المرأة وجعلها تبكي بحرقة وندم وخوف أن لا تجده إنه (مصحفها) نعم إنه القرآن الكريم كتاب الله الذي تعلقت به تلك المرأة حتى كادت ان تفقد عقلها عندما ظنت أنها لن تجده وأنه ذهب مع السيل وكأني بها تقول في نفسها ليتني رحلت معه أينما رحل ليت السيل قد أخذني معه ولم يفرق بيننا فلقد عشت معه وعاش معي منذ نعومة اظفاري أوَ بعدما بلغت علاقتنا هذا المبلغ نفترق يا الله كم هذا الأمر قاسي علي ولا أطيق احتماله إنه حبي وعشقي وهيامي نعم كأني بها والجنود يبحثون لها عن هذا الحبيب وعينيها على أيديهم وفي كل لحظة يقفز قلبها مع كل غرض يخرجونه قبل أن يعثروا عليه قلبها يدق دقات تلهف ولسانها يلهج بالدعاء يارب لا تحرمني منه يارب اتوسل اليك واعدك أنني لن أتركه يغيب عن عيني مرة أخرى يارب أرجوك أرحم ضعفي وشيبتي ودموعي فلن أطيق البعد عنه لحظة من نهار أو ليل رباه أنت أعلم بالرباط الذي يربطنا معاً إنه كل عمري وحياتي يا أرحم الراحمين يا رب يارب فاستجاب لها خالقها وجبر قلبها وأعثرها على بغيتها فأخذت تدعوا للجنود وقالت بالحرف ( حين وجد الجنود مصحفي أخذت أدعوا لهم بأن يكفيهم الله شر كل المصائب وأن يحفظهم جميعاً) ورأيت كيف أخذ أحد الجنود يربت علي كتفيها حين رآها تقبل المصحف بتلهف وكأنه حين ربت على كتفها يستمد البركة من هذه العجوز المباركة ويرجو أن تشمله بركتها التي تعلقت بكتاب الله كل هذا التعلق وكأني بالجنود قد ناموا تلك الليلة نومة لم يناموها منذ ان عرفوا أنفسهم ناموا نومة هانئة هادئة تتخللها السكينة والطمأنينة والسلام وأخذوا يحدثون كل من يلقونه عن سعادتهم وما منحهم الله من نعمة حين ارشدهم الى ذلك البيت المبارك الذي عاش بالقرآن ومع القرآن وكيف لا وهو كتاب رب العالمين فيه كلامه الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)) .

والآن لنقارن بين حال تلك المرأة وحالنا مع ما بين أيدينا من أجهزة زكية وبين ما بيدي تلك المرأة من كلام الله فحين انقطع عنا بعض قنوات التواصل لساعات قليلة أصبح بعض الناس قلقاً وتنتابه نوعا من هستيريا تلك القنوات وأنا أجزم أن البعض ربما انتابته نوبة بكاء لأنه لم يستطع أن يتواصل مع بعض من اعتاد التواصل معهم لأن مقارنة بين حال تلك العجوز وبين حالنا للأسف الشديد أسف وأي اسف والبون جد شاسع والكل يعترف بما أقول إن كانت هناك شجاعة على الإعتراف بالحق شيء مؤلم جداً هذه المقارنة شيء مؤلم حين نقارن بين المصحف والأجهزة التي بين ايدينا.

ونما الى خاطري في هذه اللحظة قول أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يصف سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه مع القرآن الكريم حين قال عنه :-

أَو كـابن عفّـانَ والقـرآنُ فـي يـدِهِ
يحـنو عليـه كمـا تحـنو عـلى الفُطُمِ
ويجـــمع الآي ترتيبـاً وينظمُهــا عقـدًا بجـيد الليـالي غـير منفصِـمِ

نعم وكيف لا وهو الذي يقول أيضاً عن هذا الكتاب العظيم :-

جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ فـانصرمت
وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ

آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ

يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ.

نعم هذا هو كتاب الله الذي بين دفتيه كل ما أرادت البشرية من تقدم وحضارة ورقي وسلام بين دفتيه سعادة البشرية قاطبة إن أرادوا النجاة إنه الحياة والعزة والسؤدد والشرف كله وبدونه لا رقي للبشرية ولا تقدم زائف إلا التقدم المادي الفارغ من الروح والتقدم المادي فارغ بلا ريب إن لم تخلله الروحانيات ويكون بدون أخلاق إذا خلت المادة من الروح هذه حالنا وحال البشرية قاطبة اذاً هنيئاً لمن تعلق قلبه بهذا الكتاب وطبقة قرأة وتطبيقاً عملياً في الحياة.

فاللهم نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته احداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء احزاننا وهمومنا وقائدنا إلى جناتك جنات النعيم.. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا وقائدنا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “تُرى ما الذي أقلقها

أحمد بن مهنا

جزاك الاه خيرا
وجعلنا وإياك من أهل القرآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *