تذكرون قصة ذلك الصياد حينما خرج غداة نهار للصيد ، فبحث طويلاً عن صيد يصطاده فلم يجد شيء حتى أصابه التعب والإعياء وقرر العودة وانكفأ راجعاً .
وهو على هذه الحال كانت هناك حمامة فوق أحد الأشجار آمنة مطمئنة يأتيها رزقها بإذن ربها في كل حين ، حجبتها الأوراق وتحصنت بالصمت ، فما كان منها إلا أن خرجت عن صمتها وغردت بصوت عالٍ في حماقة متناهية ، فتنبه لها الصياد ورآها فقتلها .
نفهم من هذه القصة أن معظم ما يصيب الإنسان في هذه الحياة من المكاره والكُرب سببه سقطات لسانه.
وتاريخ الأدب العربي يعج بالكلمات والقصائد التى قتلت أصحابها وقائليها ، ولعل أشهرهم هو شاعر الأولين والاخرين أبو الطيب المتنبي ، حينما هجا رجل اسمه “ضبه” وأفحش في هجائه وأقذع ، ولولا أنني لا أريد أن أخدش حياءكم لأوردتها هنا ، فتربص به “ضبه” في رهط من قومه وكمنوا له وأحاطوا به ، فرأى أبو الطيب في الهروب مخرجاً ، وحينما هم بالهرب صاح فيه غلامه : أولست أنت القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني …. والسيف والرمح والقرطاس والقلم .
فقال له : قتلتني قتلك الله ، ورجع إلى القوم فقاتلهم فقتلوه .
وخرج إلينا هذه الأيام رجل قد أنعم الله عليه من الكنوز والأموال ما يكفي ويغني دُول ، خرج بكلمة أجزم أنه الان يتمنى أنه لم يقلها ، فقد فتحت عليه أبواباً كانت مؤصدة ، وأكسبته بغضاً وكرهاً في قلوب الكثير ، وأدخلته نفقاً مظلم بدايته هدمُ بوابة قصره ونهايته مجهوله .
فاللسان قد يكون باباً من أبواب الخير وقد يكون باباً للشر والمتاعب ، فالكلمة الطيبة تنساب إلى القلوب وتجد لها وقعاً كبيراً وتأثيراً عميق في نفوس الناس ، فهي قد جبلت على حب الكلام الطيب .
وما هام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم به عشقاً وحباً إلا لأنه كان سهلا ليناً رقيق القلب والعبارة ، ولو كان فظّا غليظ القلب لانفضوا من حوله وهو نبي مرسل .
وفي المقابل تجد من تجنبه الناس وابتعدوا عنه اتقاءً لفحشه وأذاه ، وهذا والله شر الناس عند الله عز وجل .
إن الكلمة إذا خرجت لا تعود ، فالعاقل يعرض كلامه على عقله قبل لسانه ويزنه قبل تسويقه قبل أن يتجرع مرارته ولا يكاد يسيغه .
رب كلمة قالت لصاحبها دعني ..
وصدق الشاعر إذ قال: يموت الفتى من عثرةٍ بلسانهِ … وليس يموت المرء من عثرة الرِجلِ .
إبراهيم أحمد الصحفي
مقالات سابقة للكاتب