أحياناً تعصف بنا الحياة بأحداثها المربكة؛ فتباغتْ جسارتنا النفسية على حين غره.
وحال الناس يتفاوت في مدى تحملها لهذه المباغتة ما بين حامدٍ لربه على قضاء الله وقدره، واستجلاء لطف الله في ثنايا تلك الأحداث التي أَلمّتْ به. وبين ساخطٍّ ناقمٍ لا يكاد يرى إلَّا سواداً كثيفاً قد غشى حياته جرَّاء تلك الظلمة التي سكنتْ واستقرتْ في بطن واديه.
وسبب هذا التباين عند الناس مرده إلى ما يتصفون به من مرونةٍ نفسية، أو تصلُّبٍ نفسي.
فالمرونة النفسية تمنح صاحبها من عيْش تجربته الحياتية في لحظتها الراهنة، كما أنَّها تمنحه دَفْقَاً غزيراً لتحريك حياته في اتجاهاتٍ ومساراتٍ مهمة وفقاً لِقيمه وغايته الأسمى.
ولا يعني أنْ نتسم بالمرونة النفسية أنْ ينتفي ما يؤذينا ويؤلمنا، بل أنْ نتعلّم عدم الابتعاد عما هو مؤلم والتوجه نحوه باستجابةٍ واعيةٍ وانفتاح مُدرِك.
وهذا يتأتى عبر النظر لموضع الألم بطريقةٍ عاطفيةٍ متزنة تخلو من الأحكام المسبقة.
ونحن هنا نجد أننا أمام حالين:
الحال الأول: إنكار لذلك الألم عبر التسلُّح الواهي بأدوات الإنكار من ممارسة الكبت، أو الانكفاء على الشكوى عبر اجترار الماضي، أو الهروب عبر الدخول في علاقاتٍ أو أعمال تعطينا سعادةً زائفة لحظية لا تلبث أن تذهب أدراج الرياح، أو أي صورةٍ من صور انخفاض الوعي.
كُلُّ ذلك في محاولة تَجنُّب الإحساس بالألم.
الحال الثاني:
استجماع شجاعتنا في سبيل مواجهة الألم ومكاشفته بحكمةٍ بالغة وبصيرةٍ نافذة عبر إدراك أنَّ الأشياء التي لديها القدرة على التسبب بأكثر الآلام هي في الغالب الأشياء التي نهتم لأمرها وتعمل على استنزاف طاقتنا، وأنَّه لا سبيل للتشافي منها إلَّا عبر المواجهة الشجاعة والمكاشفة اللطيفة، وليس عبر البحث عن مخارج الهروب من نيران ذلك الألم.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي