فن العطاء

العطاءُ فنٌّ إنساني عظيم يتجاوز مجرد البذْل والنَّدى إلى معانٍ روحية عميقة من شأنها المحافظة على نقاء إنسانيتنا، وإبراز البهاء الذي تنبض به قلوبنا، وترسيخ لقيم المحبة والفضيلة بين الناس.
فالعطاء له أثر بالغ الأهمية، وهذا الأثر نفعه يتعدى صاحب العطاء إلى من ينتفع به.
ومع كل هذه الخصال الطيبة للعطاء، والمزايا التي يمنحها العطاء لصاحبه، والأثر النافع على المجتمع بكافة شرائحه إلَّا أنَّ هناك ثمة فهْم يقصر دون الإلمام بالمعنى الحقيقي لكينونة العطاء، وسبْر معناه دون غلو أو مغالاة.
والعطاء يشمل جوانب متعددة وأوجه كثيرة، ولا يمكن لنا اختزاله في جانب دون آخر.
والاعتدال في العطاء محمود العواقب، وطيب الفوائد شأنه شأن أي أمر في الحياة؛ فعلينا أن نأخذ به دون إفراط ولا تفريط.
ومن أمثلة ذلك الموظف، أو صاحب العمل الذي يصرف أغلب وقته على عمله، ويهمل بقية جوانب حياته، ويعطي بقية جوانب حياته فضلة ما تبقى من وقت فائض عن عمله.
ولك أن تقيس هذا المثال على بقية أدوارنا الحياتية، كأمٍ وقفتْ عمرها من أجل تربية أبنائها، وكصديقٍ ظل يعطي -دون حكمة- من وقته وجهده لأصدقائه ظناً منه أن ذلك من جوهر فضيلة الوفاء للصديق، بل أن الفضيلة هنا هي الاعتدال الذي يمنح صاحبه الطمأنينة لفعل الخير، ويرزق قلبه البهجة لإدخال السرور لأخيه الإنسان في الوقت نفسه الذي امتلأتْ جوارحه بكل معاني العطاء، ويمنع صاحبه من الانزلاق في تيه التحسُّر على ما أعطى، والدخول في صحراء مجهولة المعالم من الحزن على ما تَمَّ بذله.
إن العطاء هبة روحية للإنسان أولاً يأخذ منها حاجته حتى تفيض نفسه حباً وعطاءً، ثم لأهله وأقاربه، ثم لمن شاء من الناس أجمعين.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *