الديار المقدسة

وقفت مندهشاً وحائراً لا أُحير جواباً نعم وقفت أتأمل هذه الجموع الغفيرة التي تهافتت على أقدس أرضٍ وجدت على ظهر هذه المعمورة ترى من الذي دعى كل هؤلاء الناس وماذا يبغون والأمر ليس بالهين عندما يستعد الإنسان بمجرد أن يبلغ سن الرشد ويعي أن هناك فريضة يضرب لها الإنسان اكباد الإبل ويحلق بالطائرات في الجو ويركب عباب الماء في البحار والمحيطات ويحدوه الأمل ويلح به الشوق لرؤية الكعبة المشرفة التي بناها خليل الله إبراهيم وإبنه اسماعيل عليهما وعلى كل الأنبياء الصلاة والسلام بإمر من الخالق جل وعلا وأمر الله الخليل أن يدعوا الناس الى حج بيت الله الحرام قال تعالى ﴿وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ﴾ [الحج ٢٧] أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في ”المُصَنَّفِ“، وابْنُ مَنِيعٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا فَرَغَ إبْراهِيمُ مِن بِناءِ البَيْتِ قالَ: رَبِّ، قَدْ فَرَغْتُ، فَقالَ: أذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ. قالَ: رَبِّ وما يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قالَ: أذِّنْ وعَلَيَّ البَلاغُ. قالَ: رَبِّ كَيْفَ أقُولُ؟ قالَ: يا أيُّها النّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجُّ إلى البَيْتِ العَتِيقِ. فَسَمِعَهُ مَن بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، ألا تَرى أنَّهم يَجِيئُونَ مِن أقْصى الأرْضِ يُلَبُّونَ ؟..

نعم الا تراهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون النداء يحدوهم الشوق العارم لهذا البيت العتيق وما إن يرى احدهم البيت ويضع أول خطوة نحوه عند أعتاب الحرم فإذا به تفيض عيناه ويتسائل في دهشة غير مصدق عينيه وأذنيه هل انا فعلا في بيت ربي هل حقق الله الرجاء والأماني التي كنت أحلم بها منذ أن وعيت هل أنا في حلم ام انها حقيقة هل فعلا سأرى قبر الحبيب المصطفى ﷺ والذي كنت اظنه لا يكون في الحلم صار حقيقة في الواقع يا الله ما أكرمك وما أحلمك….

نعم أيها الحاج أيها المعتمر أيها الزائر المغتبط إنها حقيقة أليس الله إذا اراد امراً كان وأن أمره بين الكاف والنون ولا يعجزه شيء ولا هو الذي يعطي لكلّ مسألته فالتفرح وليحملك السرور والغبطة الى أعالي السموات بل الى أعالي الحنان بزذن الله الكريم الحنان المنان.

نعم لقد تأملت هذا اليوم ٢٧ / رمضان ١٤٤٣ للهجرة وقفت أنظر إلى ربوع مكة الفيحاء التي شرفها الله ورفع قدرها حتى أصبحت تباهي كل شبرٍ في هذه المعمورة وتقول في صدق وفخر وغبطة وسرور من مثلي في القداسة من يضاهيني في الطهر في التكريم حيث يفد إلى كل عاشق وكل هيمان هنا في ترابي تسكب العبرات وتخفق القلوب وتهتز الأبدان وتختلط الاحاسيس الجياشة بترابي وصعيدي الذي لم يخلق الله شيئا اعز ولا اجمل ولا اروع من ترابي وصعيدي وجبالي وودياني وسهولي ونجودي ومائي وهوائي وشجري وطيوري وحمائمي وكل شيء وكل ذي روح وليس بذي روح وجد على ظهري رائحتي أزكى رالروائح تشرح الصدور ولن تضاهيها رائحة جميع عطور الورود في كل بساتين ورياض الدنيا ومنظري أجمل المناظر التي وقعت عليها عين إنسان نعم مكة المكرمة والمدينة المنورة التي فيها قبر اعظم إنسان شهدته البشرية ووطأت خدماه الأرض منذ ان خلق الله الخلق نعم تحلت هذه المدينتين المباركتين في هذا الشهر الكريم وفي هذه الليالي المباركات بأغلى حلة وأجملها ولبست تاجاً مرصعاً بدعوات المعتمرين والزائرين ودموع وعبرات المستغفرين التائبين ليس بالجواهر والآلئ وأحجار الدنيا الكريمة فأين تاج كسرى وقيصر وكل ملوك الدنيا وتيجانهم وصولجاناتهم بجانب ما تحلت به مكة التي شرفها الله أجل توشحت بالبياض في لباس احرام المعتمرين الذين تجردوا وجردوا أنفسهم من كل اموالهم وجاههم ومكانتهم ولباسهم ومظاهر الترف عندهم وجاءوا في لباس واحد لا تفرق الغني من الفقير منهم نعم جاءوا في موكب ومنظر مهيب تقشعر منه الأبدان وتذرف من عظمته العيون بدموع سخينة من رهبة الموقف الجليل ترى ما الذي يبغيه هؤلاء الناس والجواب يبغون شيئاً واحداً هو مغفرة الله لذنوبهم والتحنن عليهم واللطف بهم والعتق لرقابهم من النيران ودخول الجنة دار السلام التي وعدهم الله إياها …

نعم لقد أخرجت مكة كل أبنائها لخدمة هؤلاء الضيوف وإني لأراهم كالنحل لا يفترون بل تعلوهم الفرحة والسرور أن اكرمهم الله وجعلهم خدما لهؤلاء الضيوف الكرام فأي شرف نالوه وأي عز وسؤدد اعطاهموه الله وأي تاج افتخار توجهموه نعم الكل يخدم ترى القائمين على تتظيم هذه الجموع من جنود ومدنيين في كل أرجاء مكة والله فوق الكل يرسل الأرزاق فلا تجد مادة غذائية تنقص في الأسواق وهذا بفضل الله برغم كثرة هذه الجموع وتقف في دهشة كيف يكون ذلك والجواب مرة أخرى انه الله الذي يسر وسهل وهيأ وأعان سبحانه وتعالى فليفتخر كل من أكرمه الله ووضعه في خدمة هذا البيت العظيم فليحتسب كل منا هذا العمل الجليل النبيل الذي انتدبنا الله له فهو عمل كبير جداً وجليل جداً وعظيم جداً وصدق من قال ( إن العظائم كفؤها العظماء) فبارك الله في هذه البلاد المطهرة وبارك الله الجهود وكتب لكل من قام بهذا العمل الأجر الجزيل فاللهم أرزقنا الإخلاص في كل عمل نقوم به وسخرنا يا الله لخدمة ضيوفك واكرم أهل هذه البلاد واخذل من نوائهم وعاداهم واراد الشر بهم وانصرهم فإنك نعم المولى ونعم النصير ياكريم يا الله.

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *