يعمد أغلبنا -خوفاً من الألم- إلى محاولة تجنُّب المشكلات بدرجات متفاوتة.
تُشكّل هذه النزعة -لتجنُّب المشكلات، والمعاناة العاطفية المتأصلة فيها- الأساس الرئيس للأمراض النفسية تقريباً.
ولأن أغلب الناس لديهم هذه النزعة بدرجات متفاوتة؛ فإنهم يعانون مرضاً نفسياً بدرجات متفاوتة أيضاً، ويفتقرون إلى الصحة النفسية الكاملة.
فحين نتجنَّب المعاناة المشروعة التي تنتج من التعامل مع المشكلات؛ فإننا نتجنَّب أيضاً النمو الذي تتطلبه المشكلات منا.
لذا، فمن الضروري أن نعمل على غرس السُّبل الكفيلة بامتلاك الصحة النفسية والروحية في أنفسنا عبر تَعلُّم ضرورة المعاناة وقيمتها، والحاجة إلى مواجهة المشكلات بصورة مباشرة، واختبار الألم المتضمن في ذلك عبر الانضباط الذاتي.
فالانضباط يمثل المجموعة الأساسية للأدوات التي تَلّزمنا لحل مشكلات الحياة.
وحين نُعلِّم أنفسنا الانضباط الذاتي؛ فإننا نُعلِّم أنفسنا كيفية مواجهة المعاناة، وكيفية النمو أيضاً.
وذلك من خلال توافر أربع أدوات هي: تأخير الإرضاء، وقبول المسؤولية، والإخلاص للحقيقة، والموازنة.
إن تمكين أنفسنا من تطوير قدرتها على تأخير الإرضاء، يتطلب توافر مُثلاً عُليا منضبطة ذاتياً، وشعوراً بالقيمة الذاتية، ومقداراً من الثقة في أمان وجودنا.
والأداة الثانية تتوفر حينما يتم تقبُّل المعاناة بصورة كاملة؛ حتى لا تصبح معاناةً بمعناها السائد في ثقافتنا.
وتتمثل الأداة الثالثة حين تدرك أنه لا ينبغي لك أن تحصر هدفك المتمثل في تجنُّب الألم والتخلص من المعاناة في التماس بلوغ مستويات عُليا من الوعي، أو التطور الروحي من دون أن تعاني، وتختبر بنفسك تجربة تلك المعاناة.
وتحضر الأداة الرابعة حين تقتنع أنه يجب أن يكون لديك شيء ما تتخلى عنه، ووجود هوية لنفسك قبل أن تتمكن من التخلي عن هويتك الزائفة، مع ضرورة أنْ تُطوُر ذاتك قبل أن تتمكن من التخلي عن نسختها القديمة.
هذه الأدوات الأربعة ما جمعها إنسان إِلَّا وقد بلغ شأناً عظيماً في مواجهة مشكلاته، وتمكن بفضل تلك الأدوات من منْح نفسه سلاماً رغم كل ما يحيط به من صِعاب.
وبلوغ هذه الأدوات يحتاج من الإنسان وعياً ذاتياً عميقاً لا يخالجه شك، ولا تخالطه الظنون في استحقاقه وقدرته على نيل حظه من الحياة الكريمة.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي