جولة المواقع التراثية بثادق

يوسف العارف

ومنذ الصباح الباكر ليوم الخميس 1443/7/23هـ وبعد الجولة الرياضية المعتادة توافد الجميع إلى الحافلة التي ستقلنا إلى متحف بيت الجماعة حيث أعد مضيفونا مائدة إفطار بما لذ وطاب من أنواع المأكولات المحلية الشعبية، وقد زرنا هذا المكان في الجولة الصباحية بالأمس رفقة الدكتور عبدالله الحيدري وذكرنا في الصفحات السابقة معلومات أولية عن هذا القصر/ البيت، والآن نشير إلى أنه قصر تراثي يقع في وسط البلدة/ الديرة القديمة شمال الجامع القديم، ويعود تاريخه إلى عام 1079هـ حيث بناه أمير ثادق الشيخ محمد بن منيع العوسجي (أول أمير لها) واستمر مقرا ً للحكم والأمارة حتى انتقلت الدوائر الحكومية إلى المدينة الجديدة فحوله الأهالي إلى مقر تراثي وبيت للجماعة يتجمعون فيه للمناسبات بعد أخذ الإذن من ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز عام 1371هـ حيث طالب بذلك نيابة عن أهالي ثادق الشيخ سليمان بن محمد الدريهم. وفي عام 1430هـ تجمع الأهالي مرة أخرى وقرروا إعادة ترميم المبنى وتحويله إلى قصر تراثي ومتحف محلي ومعلم تاريخي وديوانية تستضيف الزوار والأهالي وضيوف المحافظة وأصبح من أهم وأبرز المعالم السياحية في (ثادق) حيث يضم متحفا محليا في الدور الثاني ويضم آثاراً ومقتنيات قديمة محلية، وركناً لتاريخ ثادق وحضارتها عبر القرون، وساحة للمعارض والحرف اليدوية، وصوراً قديمة لمدينة ثادق، ومجسماً للقصر، ومنحوتات يدوية، ومكتبة تراثية تضم كتب ونتاج علماء ومثقفي المحافظة مع بعض الوثائق والمخطوطات والمراسلات بين أهالي المحافظة، وقادة الدولة السعودية. [انظر الكتيب الصادر بمناسبة زيارة الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز أمير الرياض إلى ثادق عام 1435هـ بعنوان: محافظة ثادق بين يديك].

وفي الديوانية بالدور الأرضي تناولنا وجبة الإفطار ثم انتقلنا إلى باقي أجزاء القصر/ البيت وأدواره لنستمتع بمشاهدة المتحف ومحتوياته ومعروضاته في جولة سياحية مع أحد المرشدين حيث شاهدنا التراثيات والصور والوثائق والبنادق وجميع المحتويات التي تؤكد عراقة المنطقة وحضارتها وفضاءاتها الثقافية والمجتمعية.

وبعد هذه الجولة السياحية تجمعنا في حافلتنا لننطلق إلى موقع تراثي آخر، وهو قلعة الجريسي والمرقب في مركز (رغبة) التابع لمحافظة ثادق ويبعد عنها حوالي 16 كيلومترا إلا أن الوقت داهمنا فاكتفينا بزيارة القلعة حيث استقبلنا جمع من آل الجريسي والقائمين على القلعة أو العقدة كما تسمى محلياً، وهي قلعة أثرية منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري ُذكرت في التواريخ النجدية بأنها عمرت عام 1171هـ واتخذت مقار لإمارة (رغبة) واستمرت حتى دمرها العثمانيون/ الأتراك في أواخر النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري في أحداثهم مع الدولة السعودية الأولى. وهي قلعة حصينة، أعيد ترميمها وتجهيزها على يد رجل الأعمال عبدالرحمن الجريسي وابنه خالد، وعلى نفس النظام القديم لتكون شاهداً تاريخياً، ومتحفاً ناطقاً بتاريخ المنطقة وأحداثها، ولها أربعة أبراج دائرية الشكل للمارقبة والحارسة، ولها باب رئيس واحد يفتح على جهة الغرب، وداخل القلعة يوجد بيوتات وبئر صغيرة [انظر كتاب عبدالمحسن آل فليج، رغبة مثال القرية النجدية، طبع عام 1418هـ، وانظر: كتاب خالد الجريسي: دليلك إلى رغبة، طبع عام 1421هـ]. 

وبعد جولة في أطراف وأنحاء وأدوار القلعة/العقدة والتقاط الصور التذكارية فيها وتناول الضيافة الصباحية تحركنا جهة وادي (عبيثران) للمشاركة في تشجير الوادي في خطوة رائدة يقوم بها المهتمون بالبيئة والحفاظ عليها من التصحر في حملة تحمل شعا ار (لنجعلها خضراء) وقد بدأت منذ العام 1438هـ عندما دشن الحملة سعادة محافظ ثادق آنذاك ومندوب الزارعة والمتطوعون من رابطة ثادق الخضراء بزارعة 20.000 شتلة كمرحلة أولى، واليوم يخطط القائمون على هذه الحملة للاستفادة من زوار المحافظة من الأدباء والمثقفين ليشركوهم في هذه الفعالية.

وقد تشرفنا جميعاً بز ارعة الشتلات وسقيها واقت ارح أن تسمى هذه المنطقة بـ(واحة الأدباء والمثقفين)، وكان لي فرصة أن زرعت شتلة من (طلح الرديان) وهي المعروفة بـ(الأكاسيا) أو (الطلح الأفريقي) ولعلها تنمو وتكبر ونستظل بظلها ذات يوم قادم [كما قلت في الفيديو المصور بهذه المناسبة].

ثم اختار لنا المضيفون من أبناء ثادق/ والقائمون على منتزه ثادق الوطني – وعلى رأسهم الأستاذ عبدالله بن إبراهيم العيسى– المشرف على المنتزه-مكاناً فسيحاً من وادي عبيثران في طرف الوادي وجهزوه لاستقبالنا واستراحتنا في فترة الضحى وقبل الظهر لتناول القهوة والشاي والمأكولات الخفيفة، بعد تعب الزارعة والجولة في وادي عبيثران وكل ذلك استعداداً وتهيئة لفترة ما بعد الظهر حيث تستضيفنا استراحة البلدية لتناول طعام الغداء.. وهي استراحة كبيرة أعدتها البلدية على طريق الملك عبدالعزيز الرئيس في مدينة ثادق وعلى إحدى المرتفعات الجبلية المطلة على المدينة، لتقام فيها المناسبات المحلية والاستضافات الوطنية والاحتفاء بالفعاليات المجتمعية.

وكان من تخطيط الزملاء المستضيفين أن نزور هذه الاستراحة ونتناول طعام الغداء في مائدة معتبرة تنم عن كرم الأهالي ومنسوبي البلدية فجزاهم الله خير الجزاء ولا نملك إلا تحيتهم بهذه الأبيات:

فشكراً آهل (صادق) إذ حللنا
ضيوفاً عندكم ظهر الخميس

وجدنا فيكمُ كرماً وأنساً
وجوداً بالنفائس والنفيس

سنذكر هذه اللحظات فخراً
على مد المجالس والجليس

وماهي إلا سويعات حتى عدنا لنزلنا للراحة والاستعداد لجولات ما بعد العصر والمساء كما هو المخطط والبرنامج!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *