هروب الفتيات

أمسينا مؤخراً نقرأ في منصات التواصل الاجتماعي ؛ ونشاهد (غير مستمتعين) إلى بعض القنوات الأخبارية وحسابات المشاهير السبّاقة إلى بث كل ما يكدر الصفو ، ويسهم في إشاعة (الفاحشة في الذين آمنوا) عن حالات تمرد الفتيات والفتية على أولياء الأمور وعقوق الأسرة ؛ وتكرار هروب البنات إلى خارج الوطن بسبب التعنيف – زعمنَ – ويحدث هذا برعايةٍ من ناشطات حقوقيات يدعمن النسويات ، تماماً كما تدعم المنظمات الغربية قضية المثلية !
 
 وكل حالات (تولي البنات من العنف) قليلة لا تقارن بالأسر المحافظة مترابطة الأفراد في الخليج عامة والسعودية خاصة؛ وهي البلد الأكثر تحقيقاً لمفاهيم الأسرة الكريمة وروابط الدم – بتوجيهات كريمة من القيادة – ، والأكثر استهدافاً بالتخريب والتغريب ، حيث لا توجه وسائلُ الإعلام الخارجية عدساتها إلى هذه الشريحة المجتمعية الملتزمة بالقيم – وهي نسبة عليا – بل يتم تغييبها وتجاهلها عن عمد كتجاهل مواقيت الصلاة، وعلى النقيض تكثف تحديقها في آحاد قضايا هروب الفتيات، وتسخر طاقاتها في تشويه الوجه الفاضل للبلد وإظهاره في شكل غول يستضعف النساء ويستحييهن.
 
إن العقل يرفض تصديق ما يشيع من حالات التعنيف دون سبب، فالأب الذي اختار امرأة لتكون سكنه، وسعى إلى تكوين أسرة يتلطف بصغاره ويستنفد عمره لأجلهم، ويؤمن لهم السكينة والسكن، والأمان في المأمن ، ويراهم ينمون وينمو معهم حبه ورحمته وعطاؤه لهم وخوفه من أن يصيبهم أذى؛ يستحيل على العقلاء تصديق تلفيق المعنفات ! بل إن الواقع يشهد بأنهن كنّ في ترف ورخاء .. ولكنه البطر وغمط الحق .
لا تظهروهن كأنهن بطلات عائدات من فتوحاتٍ .. ولا تستقبلوهنّ كعالماتٍ منجزات.. إنهن متمردات متعديات لخطوط الأسرة والمجتمع والدولة.
 
وينبغي على أولياء وولاة الأمور الحزم وحجْر الوباء قبل انتشاره في كل بيت، والحد من استنساخ العينات العاقة من البنات ، فما رأى جيل اليوم مثلما رأينا من شدة التربية وتحمل المشاق والجلَد في مواجهة المصاعب ، والقسوة الرحيمة من الأبوين وصقلهم لشخصياتنا، فصار الرجل رجلاً والمرأة مرأة، لا خلط بين صفات الرجولة والأنوثة، وبالرغم من ذلك (العنف) التربوي المبارك الذي تلقيناه؛ جاد الزمان بتخريج جيلٍ سالم من التكسير لا ينقم ولا ينتقم .
 
وإذا تأملت قليلاً ستجزم أن للعقوق الصدارةَ في كل ذلك، وللتراخي في الحزم المركز الثاني، فتمكين الفتى والفتاة من تحقيق أمانيهم وتلبية رغباتهم يخلق مسوخاً أقرب للشيطان منه للإنسان، وقد ورد في أقوال السلف : (اضربوا على نسائكم بالعُري والجوع) ذلك لأن قلة الطعام تشكم البطر؛ واللباس المتواضع يكسر الغرور.
 
ونحن إذ نتصدى لهذه الموجة التي ركبها الفتيات للتحرر بحجة التعنيف، واستجابة لإغواءات المنحلين خلقياً ودينياً لا نهمل جانب الحقيقة ونغيّب الواقع، فهناك معنفات حقيقيات ، لقين من الأذى الكثير ، والوصية لهن – إن أردن إصلاحاً – استشارة شخص حكيم ذي وجاهة في العائلة وله تأثيره الإيجابي على المعنِف والمعنَف ، وأيضاً الاستعانة بجمعية إصلاحية للأسر ذات كوادر مدرَبة على فن التعامل مع الأزمات؛ والتزام السرية التامة حفاظاً على سمعة المعنفة وسمعة أسرتها والوطن، وعليهن مراعاة حرمة الولي واحترام الذات والموازنة بين المصالح والمفاسد قدر الإمكان، متجنبات في كل ذلك أسبابَ العنف .
 
فيا أيها الأبناء المعنفون والبنات المعنفات .. وقّروا كبيركم ، وأطيعوا من ولاه الله عليكم ، وتلطفوا بمن بنوا لَبِناتكم الأولى ، وأوقفوا حياتهم لأجلكم وحافِظوا على المسافات الأخلاقية بينكم لتستمر الحياة هادئة خالية من الألم .
 
والله يتولى الصالحين.
 
أحمد القاري
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *