‏الرحمة و السعادة

‏العلاقة بين الرحمة والسعادة علاقة عجيبة، فأينما تواجدت الرحمة؛ سترى السعادة ،،

‏انتشرت الرحمة في الكهف الضيف في قصة أصحاب الكهف؛ فأصبح أرحب لهم من الدنيا وما فيها { فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته}، كانت في غار ثور مع النبي ﷺ وصاحبه فنزلت السكينة واطمئن القلب { لا تحزن إنّ الله معنا }، أبحرت مع موسى في مهده حين أُلقي في اليم، فكانت السلامة، وانتفى الخوف والحزن { فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني } حتى وجده أطغى أهل الأرض، فتربى أمام عينيه وهو ينظر.

‏سترى الرحمة والسعادة معاً في وجه من أطعم مسكينا أو كفل يتيماً أو أزاح غصناً عن قارعة الطريق، ستظهر على وجهه ابتسامة وفي قلبه رضا وبين جوانحه فرحة { إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين }.

‏وستجدها في قسمات وجه الذاكر لله كثيرا، من لازم الاستغفار في كل أحايينه، الذي أخذ حُبُّ ربّه بمجامع قلبه، فذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه، ستراها على وجهه نوراً تعجز الحروف الأبجدية عن وصفه، ولا عجب، والله ﷻ يقول:{ لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون }.

‏فهل تريد أن تجرّب ذلك الشعور، أدعوك للانضمام إلى حلقة ذكر في بيت من بيوت الله، فإن رأيت عباداً لله اجتمعوا يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، فاحشر نفسك معهم، ثم أخبرني في نهاية ذلك المجلس المبارك عن السعادة، وأكاد أجزم أنك ستعجز عن وصفها لفرط حلاوتها، رغم إحساسك بها تجري في عروقك كما يجري الماء في أغصان الشجر وأوراق الزهر، وقد مرّت على قلبك فاطمئن، وعلى صدرك فانشرح، وعلى وجهك فشعّ نورا، ( وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم.

‏وربنا هو الرحمن الرحيم، وقد كرّر سبحانه هذين الاسمين مرتين في مطلع كتابه، ليتعرف إليه عباده بالرحمة العظيمة التي وسعت كل شيء، فالله عز وجل كتب على نفسه الرحمة، ورحمته سبقت غضبه، وهي ١٠٠ جزء، ما نراه هو جزء واحد فقط من تلك الرحمة الواسعة، إذا تيقن القلب من ذلك كله؛ كيف لا يسعد ويفرح ويطمئن، بل ويسارع إلى ما يُرضي الرحمن الرحيم ليدخل في تلك الرحمة الواسعة { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول }، تقوى وزكاة وإيمان واتباع للرسول ثم رحمة واسعة إذا دخلت فيها فلن تشقى أبداً.

‏إذا رأيت الدابة ترفع حافرها عن وليدها رحمةً به فاعلم أن ذلك شيء يسير من الجزء الذي أنزله الله في الدنيا، وأبقى للمؤمنين تسعاً وتسعين جزءا يوم القيامة.

‏وإذا رأيت الطير تغدو لنيل أرزاقها ثم تأوي إلى أعشاشها لتطعم صغارها، ورأيت الناس تحنو على المسكين والصغير، وتطعم اليتيم والفقير، فاعلم أنها من رحمة الله التي أودعها في قلوبهم، ثم يجازيهم بها بدخولهم في رحمته، وهو الذي وفق وأعان أولا، ثم أكرم وجازى آخرا ،،

‏فالحمد لله الرحمن الرحيم.

‏ومن عظيم رحمة الله الواسعة أن أرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، للمؤمنين والمنافقين والكافرين، وحتى الحيوانات والجمادات.

‏أما للمؤمنين فظاهرة، فبقبول دعوته يُرزقون الحياة الطيبة في الدنيا، والخلود في النعيم المقيم يوم القيامة.

‏وأما المنافقين فبإظهارهم لقبول دعوته عصموا أنفسهم وأموالهم في الدنيا، أما في الآخرة فهم في الدرك الأسفل من النار.

‏وأما الكافرين فبسبب وجوده عليه الصلاة و السلام بين ظهرانيهم لم يستأصلهم الله بعذاب عام، أما في الآخرة فمصيرهم جهنم خالدين فيها.

‏قال الله تعالى: { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون }.

‏وأما الحيوان فقد اشتكى الطير والبعير لنبينا صلى الله عليه وسلم، فنهى عن إيذائهما وأمر بالإحسان إليهما.

‏وأما الجماد فيكفي قصة الجذع الذي حنّ لما فارقه النبي صلى الله عليه وسلم كما يحن ويبكي الطفل، فعاد عليه الصلاة والسلام عليه وهو الرؤوف الرحيم فاستلمه حتى سكن.

‏لذا من أراد أن تتغشاه رحمة الله فعليه بثلاث:

‏الأولى: الاستماع والإنصات إلى تلاوة القرآن الكريم:

‏يقول أحد السلف: ” ما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مستمع القرآن الكريم فالله ﷻ يقول: { فإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون }.

‏الثانية: كثرة الاستغفار ،، يقول الله ﷻ:

‏{ لولا تستغفرون الله لعلّكم تُرحمون }.

‏فجعل الاستغفار هنا سبب لحصول الرحمات.

‏الثالثة: الإحسان بكافة صوره ،، قال ربنا جل جلاله:

‏{ إنّ رحمت الله قريبٌ من المُحسنين }.

‏” إن كنت لا ترحم المسكين إن عَدِما 

‏ولا الفقير إذا يشكو لك العَدَمَا

*********

‏فكيف ترجو من الرحمن رحمته

‏وإنما يرحم الرحمن من رَحِما ” 

‏🔘 ختاماً:

‏القرآن كله رحمة ،، ‏والسعيد حقاً من علّق قلبه بالقرآن وعمل به.

سعود بن خالد

١ / ١١ / ١٤٤٥ هـ

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *