الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده … وبعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام
فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمر عليه مُروراً عابراً. ومن هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة،
ولذلك أتقدم لكم بالتهنئة من القلب بمناسبة دخول هذه الأيام المباركة التي يُحبها الله تعالى ، وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها؛ بل إنَّ الله تعالى أقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم ، وحري بالمسلم أن يشكر الله على أن أدركنا هذه الأيام وهذا فضل من الله وعلى المسلم أن يستثمر ويستقبل مواسم الطاعات عامة، ومنها عشر ذي الحجة بأمور منها:
1- التوبة الصادقة ؛ فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة .
2- العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام ؛ فينبغي على المسلم أن يحرص حرصاً شديداً على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة .
3- البعد عن المعاصي ؛ فكما أنَّ الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يُحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه .
فضل العمل في عشر ذي الحجة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ ، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) [رواه البخاري].
روائع الأعمال المستحبة في هذه الأيام المباركة
أيها الإخوة والأخوات الكرام
بدأت أيام شهر ذي الحجة من هذا العام، وإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها، والمحظوظ من وفق فيها لصالح القول والعمل ، ومن الأعمال التي يستحب للمسلم من غير الحاج أن يحرص عليها ويكثر منها في هذه الأيام ما يلي:
1. صيام الأيّام التِّسع من ذي الحِجّة ، وصيام يوم عرفة تحديداً :
والصيام يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، ويُستحَبّ صيام الأيّام التِّسع الأولى من ذي الحِجّة ، ويتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج، لما ثبت عنه صلَّى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم يوم عرفة ” أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” (رواه مسلم).
2. الحِرص على أداء الصلوات المفروضة في المسجد
وهي من أجلِّ الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة .
3. التكبير والتحميد والتهليل والذكر في العَشر من ذي الحِجّة
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه أحمد].
التكبير المُطلَق في هذه الأيام يُسَنّ في الصباح والمساء، وقبل الصلاة وبعدها، وفي المسجد والبيت، وغير ذلك من الأوقات والأماكن التي يجوز الذِّكر فيها
والتكبير المُقيَّد لغير الحاج يبدأ بالتكبير منذ فجر يوم عرفة إلى غروب شمس ثالث أيّام التشريق .
ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة.
وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد
4. الصدقة :
وهي من جُملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام
الإخوة والأخوات الكرام
هناك أيضاً أعمال أُخرى يُستحب الإكثار منها في هذه الأيام بالإضافة إلى ما ذكرنا ، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي:
1. الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
2. بر الوالدين ، وصلة الأرحام والأقارب
3. الأضحية : وهي من أفضل الأعمال أيضًا وهي سُنّة مؤكدة في حق الموسر (ذو مال وسِعة)، بل إنَّ من العلماء من قال بوجوبها وقد حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وتُذبَح الأضحية خلال أربعة أيّام من ذي الحِجّة؛ وهي يوم العيد وأيّام التشريق الثلاثة؛ أي منذ اليوم العاشر من بعد صلاة العيد إلى اليوم الثالث عشر من ذي الحِجّة، ويُستحَبّ أن تُقسَّم إلى ثلاثة أقسام؛ يُتصدَّق بالأوّل، ويُهدى الثاني، أمّا الثالث فيكون للمُضحّي وأهله
4. صلاة العيد : ويكمن فضل صلاة عيد الأضحى في كونها تُؤدّى في أعظم الأيّام عند الله -تعالى-؛ وهو اليوم العاشر من ذي الحِجّة؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ أعظمَ الأيامِ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى يومُ النحرِ).
]رواه أبو داود[ والحرص أن تصلى في مصلى العيد .
5. الحرص على الالتقاء بالصُّحبة الصالحة المُتحابّين في الله -تعالى- ومجالستهم؛ لذِكر الله -تعالى-، ودعائه، ومدارسة كتابه، والدعوة إليه .
6. الحرص على قيام الليل ولو بعَشر آيات من القرآن الكريم.
7. الإكثار من تلاوة القرآن الكريم والسَّعي إلى إنهاء ختمة كاملة خلال هذه الأيّام، مع الحرص على تدبُّر وفَهم الآيات، وقراءة تفسيرها .
8. سلامة الصدر وترك الشحناء
وكذلك هذه أيضاً مجموعة كبيرة من الأعمال الفاضلة والصالحة التي يمكن للمسلم القيام بها في العشر من ذي الحِجّة ويجب الحرص عليها في غير هذه الأيام :
كثرة الاستغفار ـ وإفشاء السلام وإطعام الطعام ـ والإصلاح بين الناس ـ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وحفظ اللسان والفرج ـ والإحسان إلى الجيران ـ وإكرام الضيف ـ والإنفاق في سبيل الله ـ وإماطة الأذى عن الطريق ـ والنفقة على الزوجة والعيال ـ وكفالة الأيتام ـ وزيارة المرضى ـ وقضاء حوائج الإخوان ـ ـ وعدم إيذاء المسلمين ـ والرفق بالرعية ـ وصلة أصدقاء الوالدين ـ والدعاء للإخوان بظهر الغيب ـ وأداء الأمانات والوفاء بالعهد ـ والبر بالخالة والخالـة وإغاثة الملهوف ـ وغض البصر عن محارم الله ـ وإسباغ الوضوء ـ والدعاء بين الآذان والإقامة ـ وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة ــ والمحافظة على السنن الراتبة ــ وذكر الله عقب الصلوات ـ والحرص على الكسب الحلال ـ وإدخال السرور على المسلمين ـ والشفقة بالضعفاء ـ واصطناع المعروف والدلالة على الخير ــ وتعليم الأولاد والبنات ـ والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
فلنبادر باغتنام هذه الأيام الفاضلة، قبل أن يندم المفرّط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجاب إلى ما سأل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ملاحظة : ساهم في نشر هذه الفوائد فالدال على الخير كفاعله
د. منذر القضاة
مساعد عميد كلية القانون
في جامعة عمان العربية
مقالات سابقة للكاتب