نقطة تحول

لكل إنسان في حياته نقاط تحول، وهذه النقاط كفيلة بتغيير مجرى حياته إلى الأفضل أو العكس، وهي تختلف من شخص لآخر، وأحياناً تتشكل هذه النقاط من رحم المعاناة والأزمات والانكسارات التي يمر بها الإنسان، أو من خلال الإنجازات والنجاحات التي يحققها في الحياة.

وكماقيل:
“من رحم الأزمات تولد الفرص”.
“ومن رحم الفشل يولد النجاح”

فالحياة رحلة من التحولات لا تتوقف، فهي مزيجٌ من كل شيء، مزيجٌ من الأنس والبؤس، من النجاح والفشل، من الراحة والألم، من التشجيع والتثبيط، من الفرص وخيبات الأمل، من الكفاح والاستسلام، ولا شيء يبقى على حاله، ولاشيء يدوم إلى الأبد، فدوام الحال من المحال، وكما قيل: “لافقرٌ يَدومُ وَلاثَراءُ يَدومُ”.

وقال الشاعر:
وَلَيسَ بِدائِمٍ أَبَداً نَعيمٌ
كَذاكَ البُؤسُ لَيسَ لَهُ بَقاءُ

ففي حياة كل منا نقاط تحول، تظهر لنا بين الفَيْنَةِ والأُخرى لتغير حياتنا إلى الأفضل، وتصنع فارقًا في حياتنا وتعيد تشكيلها من جديد، لكن البعض وصل به الحال إلى أن يكون نمط حياته مماثلًا لمن حوله من الآخرين، وكأنه تأثر بسلوكهم، فلا يستطيع أن يتميز بإنجازاته أو مساهماته عن غيره، ومن ثم تجده يتقبل الواقع الذي هو فيه، بل ويرضى به، ولا يحاول أن يتغير.
يقول الدكتور مصطفى محمود:
“كل شخصية فيها امتياز، فيها جانب تفوق، فيها إستعداد لشيء، فيها بذرة عبقرية، ولكن هذه البذرة لا يفطن لها صاحبها ولا يكتشفها ولا يدركها فتضيع عليه ويخيّل إليه أنه إنسان عادي”.

وَمَا النَّفْـسُ إِلا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى
فَإِنْ أُطْعِمَتْ تَـاقَتْ وَإِلا تَسَلَّتِ

فالحياة لاتمنحنا مانريد إلا أن تكون محفوفة بالمتاعب، لذا لابد أن نستمتع بمتاعبنا ونكون على يقين بأن ألم اليوم راحة الغد، وشقاوته سعادة المستقبل، فالضغوط والمصاعب التي نواجهها في معترك الحياة قد نتصور أنها ضدَّنَا، والحقيقة أنها عكس ذلك، بل هي لأجلنا، لندرك ماهي الحياة، ولنفهم مواقف لم نكن نفهمها من قبل، ولنرى أشياء لم نكن نراها من قبل، فكلما واجهتنا مثل هذه الأشياء كلما نضجنا، واصبحنا أكثر تماسكا وصلابة وقدرة على التحمل، ولاشك بأن الصعوبات تعيد تشكيل الإنسان، وبنائه من جديد.

إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ
رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ

********
ومن لايحبُّ صُعودَ الجبالِ
يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ

في تغريدة جميلة ورائعة للكاتب والشاعر فواز اللعبون يقول فيها: “أصعب لحظة مرت علي في الشِّعر، تمزيق أستاذ النصوص قصيدة عرضتها عليه وأنا في الثانوي، فأقسمتُ أن أعطيه درساً في النجاح ولو بعد حين”.

ربما كان تصرف أستاذه رغم قساوته، وقودًا لإبداعه، ونقطة تحول لتفجير طاقاته وقدراته، فصنعت فارقًا في حياته، بل ربما أعادت تشكيل حياته من جديد، وبها اكتشف ذاته الحقيقية.

وَمَدَدُّتُ كَفِي كَيْ أُصَافِحَ صَدْمَتِي
شُكـْرًا لِـجُـرْحٍ كَانَ فِيـهِ صَحْوتِي

فبعض الناس تَرْتَسِم لديه نقطة التحول في حياته من خلال كلمة (جارحة) كان لها بالغ الأثر في نفسه وروحه، جرحته وسببت له شعور بالإهانة، ورغم أنها صفعته، لكنها في الحقيقةصنعته، ورغم أنها آلمته وأوجعته لكنها أسلمته لمراتب النجاح وسُلم التقدم، وبعضهم تَرْتَسِم لديه نقطة التحول من خلال كلمات الثناء والمدح، فلها وقعها وتأثيرها البالغ على النفوس.

وهناك من تَرْتَسِم لديه نقطة التحول من خلال وقفة محاسبة مع نفسه، أو مع الآخرين، أو من خلال تَذكُّرهِ للماضي، أو خوفه من المستقبل.

وهناك من تَرْتَسِم لديه نقطة التحول من خلال تأثره بقراءة كتاب أو مقال، أو استماع لبرنامج معين، أو قام بتقديمِ برنامجٍ أو دورةٍ ما، أو من خلال محتوى فعال قدمه للناس. والبعض الآخر قد تكون نقطة التحول لديه بعد تعرضه لأزمة ما، حادث مروري، وفاة قريب، صدمة عاطفية، زواج، طلاق، وغيرها.

والحقيقة أن نقاط التحول متعددة وكثيرة، لكن مايميز العظماء أو كل من سطر لنفسه تاريخًا مشرقًا، أو إنجازًا أو أثرًا كبيرًا أو صغيرًا، هي نقطة تحول حدثت له واستدركها ومن ثم صنعت الفارق في حياته.

أُباركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ
ومَن يَسْتَلِذُّ رُكُوبَ الخَطرْ

********
هُو الكَونُ حَيٌّ يُحٍبُّ الحَيَاةَ
ويَحْتَقِرُ المَيٍّتَ مَهْمَا كَبُرْ

ومن يقرأ التاريخ يجد أن خلف كل عظيم وجع كبير، وحكاية كان لها بالغ الأثر في نفسه وروحه، نعم إنها سير عظماء كان لهم باع طويل مع الألم والمتاعب التي لاقتهم فصفعتهم لكنها صنعتهم، وصارت مدادًا يَغْرسُ فيه الكاتب قَلمَهُ فيكتب أعذب الكلمات، ويرسم الفنان بريشته أبدع اللوحات.
ويُطوّع الشاعر قريحته فيخرج أجمل القصائد والأبيات.

أولئِك الناس الذين كان لهم نقاط تحول في حياتهم، بل بعضهم كانوا نقطة تحول كبيرة في تحقيق الحضارة للبشرية.

وربما ونحن نقرأ سيرهم ونستمتع لتجاربهم نجد لها وقع في نفوسنا، وأثر في حياتنا، وربما كانت نقطة تحول لدى الكثير منا.

‏ كَمْ عَثْرَةٍ كَتَبَتْ نِهَايَةَ طَامِحٍ
فَقَدَ السَّعادةَ بَعْدَهَا وَتَحَطَّمَا

********
فَانْفُضْ غُبَارَ اليَأْسِ عَنْكَ فَرُبْمَا
يَومَا سَتَحْتَضِنُ السَّمَا والأَنْجُمَا

********
إن كُنتَ لا تَرْضَى لِرُوحِكَ مَوتَها
فَلْتَسْقِهَا كَي لا تَمُوتَ مِنْ الظَّمَا

********
واصْعَدْ بِهَا نَحَو السَّمَاء وقُلْ لهَا
مَا جِئِتُ للدُنَيا لِكَي أَسْتَسْلِمَا

وفي الختام: نقطة التحول قد تكون بإختيارك وقد تكون مجبرًا عليها، وقد تبدو قريبة منك، أو أنك أنت من يقترب منها، بل وتكاد أن تلامسها.

نقطة التحول:
“هي أجمل هدايا الحياة، وانفس كنوز التجارب”

حسن مهدي قاسم الريمي

 

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “نقطة تحول

غير معروف

السلام عليكم أسأل الله أن تكونوا ممن اختصهم الله لبذل النصح وقول كلمة الحق في الغضب والرضى فأنتم إن شاء الله سبب للرقي والنهوض بمستوى الوعي ومحاربة الفساد ومنبركم هذا منبر خير ودلالة لكل رشاد وهدى وصدآ لكل تجاوز وخطأ فالمسلمون ذمتهم واحدة وبلادنا مستهدفة فلابد من التعاون ومن وضع ومناقشة الأطرواخات التي تعالج مايحدث من بعض التجاوزات والأخطاء ومنها التسيب والإهمال في الدوام الرسمي في بعض النواحي مما جعل كثير من العمالة الوافدين يتسيبون ولابؤدون عملهم بإخلاص بل يتعمد البعض منهم الإخلال بعمله بدافع الحقد على هذه البلاد وبتقليد لما يراه من بعض أبناء هذه البلاد من الإهمال بل وتعمد الخلل والغش وتضييع الأمانة وأنتم خير من يتاقش مثل هذه السلبيات لإيجاد الحلول والعلاج الناجع.. زادكم علمآ وتألقآ.

سامي عمار

إبداع تبارك الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *