نظن أننا نتسم بالموضوعية والبعد عن الذاتية في نظرتنا لأحداث الحياة دون تغليّب جانب على آخر.
ولكن ما يحدث فعلاً أن الإنسان يُظهِر ميولاً نحو تفسيراتٍ، أو آراء معيَّنة تجاه قضيةٍ، أو موقف بِناءً على تلك الخلفية الفكرية الخاصة به.
فهو بالضرورة ينحاز إلى تفسيرٍ ما، أو رأيٍّ معين.
وعليه، فإن مُصطلح «الانحياز المعرفي» يُشيّر إلى إظهار تفضيل لمنظور، أو أيدولوجية مُعيَّنة عند إصدار الأحكام والأفعال.
وهذا التفضيل (الانحياز) يُؤثِّر على النزاهة والموضوعية الذي من شأنه أن يؤدي إلى ضعف الدقة في الحكم أو الرأي الذي يطرحه.
وإذا كان الانحياز المعرفي يشمل مجموعة من الطُرُق في التفكير بالعالم وفهمه، فإنها لا تُعبّر عن الحقيقة فعلياً.
فعندما تحكم وتتخذ القرارات عن العالم من حولك؛ فأنت تعتقد أنك تفكر بموضوعية، ومنطقية، وقادر على استيعاب وتقييم كل المعلومات المتاحة لك، لكن ذلك لا يبدو صحيحاً بالكلية.
فغالباً يرى كل شخص منا العالم بطريقة مختلفة عن الآخر، استناداً إلى مفاهيمنا المسبقة، وتجاربنا السابقة، إضافةً إلى تأثير عناصر اجتماعية وبيئية.
ومن أمثلة الانحياز المعرفي: “الانحياز إلى الحاضر”، و”تأثير الربط”، و”الانحياز إلى الموافقة”، و”الانحياز إلى التفاؤل”، و “انحياز التأكيد”، و”انحياز المصلحة الذاتية”.
وربما يكون “الانحياز إلى الموافقة” الأخطر من بين تلك الانحيازات المعرفية؛ فعندما تُعّرض أمام الإنسان معطيات كثيرة؛ فإنه يميل لأن يبحث فيها عمّا يوافقه منها، بمعنى أنه ينتقي من المعطيات والوقائع ما يتوافق ويؤيد فرضية أو نظرية تكون موجودة عنده من قبل.
ولعلَّ رأينا في أحد هذه الأنواع وتفضيله عن بقية إخوته يأتي من باب الانحياز المعرفي.
فالانحياز المعرفي يسكن عقولنا، ويُوجّهها نحو قراراتها؛ فهو يشغل حيزاً كبيراً منه، ولا سبيل لاجتثاثه تماماً، ولكن ثمة سبيل لتخفيف تأثيراته، عبر الوعي بماهيته، واتّخاذ السُّبل الكفيلة وصولاً إلى أقل تأثيراته.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي