تظل السعادة غايةً لكل أهدافنا، ونقطةَ وصولٍ لكل رحلات سعينا.
فما سعي الإنسان في حياته إلَّا بهدف الاستمتاع ببهجة الحياة وسعادتها.
وبالرغم من نبْل هذا المقصد، وسمو الهدف إلَّا أننا نجد البعض يزهد فيه، بل يذهب في الاتجاه المعاكس للسعادة.
إننا نجده يُغْرقُ نفسه في وحل التعاسة؛ حتى يُصاب في نهاية الأمر بمتلازمة التعاسة.
ولعلَّ من أبرز أعراض هذه المتلازمة، أنَّ صاحبها يحسد الناس على نجاحهم،مع شعوره العميق بفقدان لحماسته الخاصة، ورغبته في بناء حياةٍ ذات غاياتٍ سامية، وأهدافٍ تعبر عن همةٍ عالية، ونفسٍ وثَّابة.
كذلك من أعراضها، أنَّ صاحبها يعيش حالةَ خوفٍ دائمة من التعرّض للأذى؛ فهو ينظر إلى كل من حوله على أنهم مصدر خطر، في المقابل نَجدُ أنَّ بداخله صراعاً كبيراً يقتات على جمال حياته؛ فهو بهذا الصراع يكافح في سبيل اثبات نفسه، لكن لعدم تَوفّر أهداف واضحة لديه؛ يكون هذا الكفاح لا طائل منه سوى أنه ينهش منه ليتركه في نهاية الأمر فريسةً لأهواء نفسه.
إنَّ الملاحظ لهذه المتلازمة أنَّ من يُصاب بها؛ يعيش أسيراً لماضيه، فهو زاهدٌ في حاضره بالضرورة، كما أنه ضعيف التطلُّع نحو مستقبله.
وهذه الاستلاب الذهني من قبل ماضيه جَعَلَ منه إنساناً يجد صعوبةً في الاندماج مع الناس فضلاً عن تحمُّل أذاهم وتَقبُّل أخطائهم؛ بسبب الصورة الذهنية السلبية التي تَشكّلَتْ بداخله عن الناس، وتفسيره الخاطئ لأحداث الحياة، ونظرته الدائمة إلى الجزء الفارغ من كأس الحياة؛ فعينه تقع على السيء من الأمور وتتجاهل الحسن منها.
وحتى يتيسّر للإنسان أن يتحرر من متلازمة التعاسة، ويتطّهَرَ من أدّرَانها، عليه أنْ يتأمَّل ويتدبّر المعنى الذي يسكن جوف هاتين الآيتين الكريمتين:
“مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً”
“وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا”
وسنعرض -إن شاء الله تعالى- في مقالة الأسبوع القادم العلامات الأربع الدَّالة على التَّشافي من هذه المتلازمة.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي