إمام المسجد النبوي يحذر من اقتراف الذنوب وإن كانت صغيرة

أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي بتقوى الله بالتقرب إليه بما يرضيه، وهَجْر ما يُغضِبه ويؤذيه.

وقال: ما أحسنَ عاقبةَ المتقين، وما أسوأ عاقبة العصاة المفسدين، فكونوا ممَّن سلَك سبل النجاة، ولا تكونوا ممَّن سلَك سبلَ العصاة المفسدين قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا}.

وبيّن أن الله خلَق هذا الكونَ، وأودَع فيه كلَّ ما يحتاجه المكلَّفون، من أرزاق ومتاع، ورياش وزينة، ومال ودواب وغير ذلك، وذلَّل هذا الكونَ وسخَّره كلَّه لمصالح الخَلْق، ومنافعهم، وقيام حياتهم إلى أجل مسمًّى عند الله لا يعدوه قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الْمُلْكِ: 15]، وقال تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}.

وأردف إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله خلَق هذا الكون في كماله وجَماله، وفي وفائه التامِّ بمقوِّمات الحياة كلها، لكل مَنْ على الأرض، وفي كثرة منافعه، وتنوُّعِها، وفي تسخير الأسباب لبقاء الحياة ورُقِيِّها، أخبرنا ربُّنا -عز وجل- بأنَّه لم يخلق هذا الكون عبثًا، ولم يتركه سدًى، ولم يجعله مهملًا قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ، لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فإذا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}.

وتابع “الحذيفي” أن اللهُ أرسَل الرسلَ، وآخرُهم سيدُهم محمد -صلى الله عليه وسلم- لإصلاح الأرض بالطاعات، وتطهيرها من الشرك والْمُوبِقات، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.

وقال: لا تحقرن من الطاعات شيئًا؛ فلا تدري أي عمل تدخل به الجنة، وتنجو به من النار، عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تحقرن من المعروف شيئًا، وإن من المعروف أن تلقَى أخاكَ بوجهٍ طلقٍ”.

وذكر أن المؤمنين اتخذوا هذا الكون زمانًا ومكانًا للطاعات، وأما من لا يؤمن بالله واليوم الآخِر، وكفَر فاتخذ هذا الكون زمانًا ومكانًا للشهوات المحرَّمات، والمتع الزائلة، واقترف السيئات، وأعظم السيئات الشرك بالله، بأن يتخذ العبد مخلوقًا يدعوه ويرجوه، ويتوكل عليه، ويستعين به، ويستغيث به، ويرفع إليه المطالب والحاجات، ويرغب إليه في الرزق والنصر، ويهتف به في كشف الشدائد والكُرُبات، فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله -سبحانه- إلَّا بالتوبة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.

وأضاف: تأتي كبائر الذنوب، في عِظَم الإجرام، بعدَ الشركِ، بحسب مفسَدة الذنب، وكل معصية ظلَم بها العبدُ نفسَه بينَه وبينَ الله وتاب منها غفرها اللهُ له، أما المظالمُ بين العباد، فلا يغفرها اللهُ حتى يعطي المظلومَ حقَّه، يوم لا درهمَ ولا دينارَ، وإنَّما هي الحسناتُ، يعطى المظلومُ من حسناتِ مَنْ ظلَمَه، فإِنْ فَنِيَتْ حسناتُه أُخِذَ من سيئات المظلوم، فطُرِحَتْ على مَنْ ظلَم، ثم طُرِحَ في النار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَمَالِهِ، فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ حِينَ لا دِينَارَ وَلا دِرْهَمَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعِلَتْ عَلَيْهِ” (رواه مسلمٌ والترمذيُّ)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ” (رواه مسلم). ولو سَلِمَ أحدٌ من استيفاء الحقوق في المظالم، لَسَلِمَ المؤمنون الأبرارُ من استيفاء حقوق المظالم بينَهم، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إذا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا”.

وحثّ “الحذيفي” المسلمين على عدم الاقتراب من الذنوب، وإن كانت صغيرة، فإن لها من الله طالبًا، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَسْقِهَا وَلَمْ تُرْسِلْهَا فَتَأْكُلَ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ” وقال صلى الله عليه وسلم: “إيَّاكم ومحقَّراتِ الذنوب، فإنهنَّ يجتمعنَ على الرجل حتى يُهلِكْنَه”، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.

وفي الخطبة الثانية، ذكّر إمام وخطيب المسجد النبوي بأن مما يكفِّر السيئات، ويزيد في الحسنات، ويزكِّي الأعمال الصالحات، ويَجبُر النقصَ بالقُرُبات، ويطرد الشياطينَ، ذِكْرَ اللهِ -عز وجل-، على كل حال، قال الله تعالى: لآيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، وعن عبدالله بن بُسْر -رضي الله عنه- قال: “أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله، إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا، فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ؟ قَالَ: “لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *