يمثل الحضور العلمي والبحثي المتقدم للطلاب والطالبات السعوديين المبتعثين في جامعات عالمية أحد الوجوه المشرقة للمملكة في المحافل العلمية الدولية، وذلك في ظل الدعم الكبير من قبل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي يركز على القبول في أفضل الجامعات الدولية.
ويأتي هذا الحضور المشرف في ظل إعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية، إستراتيجية البرنامج التي تمثل مرحلة جديدة للابتعاث تسهم في تعزيز تنافسية المواطنين من خلال رفع كفاءة رأس المال البشري في القطاعات الجديدة والواعدة، استكمالاً لجهود المملكة في تنمية القدرات البشرية، ساعيةً بذلك إلى تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030م.
وتحدث لـ ” واس” عدد من الباحثين والباحثات الذين برزوا في بعض التخصصات الطبية والعلمية، مشيرين إلى أبرز أبحاثهم الطبية التي يهدف معظمها إلى اكتشاف أدوية جديدة أو تطوير البحوث في مجال الوقاية من الأمراض والمشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية والفوز بجوائز التميز، فضلاً عن تلخيص فوائد وصعوبات تلك التجربة.
أبحاث في أمراض القلب
يعد استشاري أمراض القلب الدكتور ماجد ملك، أحد أبرز الحاصلين على درجات علمية متقدمة في مجال الأبحاث الطبية السريرية من كلية الطب بجامعة هارفارد العريقة، ويؤكد في حديثه لـ”واس” أن الإلمام بقواعد ومسارات البحث العلمي والدراسات الطبية أمر مهم لكل طبيب كي يتمكن من فهم الدراسات الطبية وأثرها على آلية ممارسته للطب، مضيفًا: “نظرًا لقلة الأطباء الملمين بالدراسات الطبية السريرية على مستوى العالم، تقوم الجهات العملية المرموقة بنشر ما يسمى بالخطوط الإرشادية التي تهدف لمنع الأخطاء الطبية التي قد تنتج عن سوء الفهم للدراسات الطبية، ولذلك تقوم الجهات العلمية بتبسيط المعلومات على صوره توصيات”.
وعد الدكتور ماجد نفسه “محظوظاً “حين تدرب في مستشفى” Brigham and women’s” وهو أكبر المستشفيات التابعة لكلية الطب بجامعة هارفارد، وذلك مع مجموعه من كبار الأطباء الذين قاموا بعمل أبحاث سابقة كانت الأساس لعلاج فشل القلب اليوم.
وقال: “منذ بدء علاقتي بهذه المجموعة قمت بالمشاركة في أربعة بحوث طبية، كنت الباحث الرئيس في اثنين منها، وهذه البحوث نشرت وتم تقديمها في أكبر التجمعات الطبية العالمية مثل الاجتماع السنوي للكلية الأمريكية لأمراض القلب”، مبيناً أنها تمركزت حول إعادة التأهيل لمرضى القلب وهو تدخل طبي مفيد جداً، إلا أنه لا يحظى بالتفعيل المنشود على مستوى العالم، رغم أن برنامجه لا يتطلب أكثر من ثلاثة أشهر ويعود على المريض بفوائد عظيمة منها تقليل احتمالية الوفاة بسبب المرض ( بإذن الله) وتخفيض احتمالية حدوث المرض مرة أخرى و في أغلب الحالات يستطيع المريض العودة لممارسة حياته بصوره طبيعية وبثقة عالية.
وأشار الدكتور ماجد ملك الذي يحمل شهادات الاختصاص في الأمراض الباطنية وأمراض القلب من البورد الأمريكي والكلية الملكية الكندية للأطباء إلى أنه بعد عودته إلى السعودية قادماً من من أمريكا قام بالتنسيق مع مجموعة من الأطباء السعوديين وأسس قناة على منصة اليوتيوب أسماها “دكاترتنا” والتي يطمح من خلالها نشر التثقيف الصحي بأسلوب عصري ومتطور ( حسب وصفه).
وكشف بأنه يحلم بأن يشارك في تأسيس شركة غير ربحية تعنى بمجال الأبحاث الطبية وتطوير الأدوية والعلاجات تكون لديها القدرة على منافسة شركات الأدوية والأجهزة الطبية العملاقة والتي ستشكل – حسب رأيه – مصدراً للدخل يصب في عمليه تطوير الرعاية الصحية وتخفيض التكلفة على الجميع.
مواد لتخزين الطاقة والتقاط المياه
أما الباحثة السعودية الدكتورة دلال العزي المنظمة لبرنامج زمالة “ابن خلدون للمرأة السعودية”، الذي يتوافد سنوياً على الحرم الجامعي لـ “معهد ماساتشوستس للدراسات التكنولوجية” ، فتعد من أبرز العالمات والمهندسات القادمات من المملكة إلى هذا المعهد البحثي العريق.
ويستهدف البرنامج المستمر منذ عام 2012م، دعم الباحثات السعوديات الحاصلات على درجة الدكتوراه، وإعطائهن فرصة لإجراء أبحاثهن في التخصصات العلمية والهندسية المختلفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس لمدة عام دراسي واحد، ويتيح البرنامج للباحثات كذلك الحصول على فرص للتطوير المهني.
وستمكنها هذه المنحة من الحصول على درجة ما بعد الدكتوراه في مختبر “دينكا” بقسم الكيمياء في المعهد، حيث ستعمل على تطوير مواد لتخزين الطاقة والتقاط المياه.
وقالت العزي في تصريح لـ”واس” إنه من المتوقع أن ينتج عن بحثها استكشافات جديدة في تخزين الطاقة المتجددة والنظيفة، والاستفادة من المياه المتواجدة في الصحراء، والهواء في المناطق الجافه عبر مواد تلتقطها وتخزنها، بما يدعم اقتصاديات مستقبلية واعدة. وأضافت ” لطالما حلمت بالحصول على هذه الزمالة منذ أن كنت طالبة دراسات عليا في كاوست في عام ٢٠١٧”.
وتركزت أبحاث العزي على تصميم وتركيب المواد المعدنية والعضوية الجديدة واستكشاف خصائصها في مجموعة واسعة من التطبيقات ، بما في ذلك فصل الغازات وتخزينها والحفز وتوصيل الأدوية داخل الجسم.
وقد حظيت بدعوة في أهم مؤتمر عالمي مجال الكيمياء بحضور ٤٥ حائز على جائزة نوبل ووضعت صورتها في غلاف مجلة أمريكية ٢٠١٧ بصفتها إحدى العالمات السعوديات.
إعادة صياغة النظام الرأسمالي
من جانبه، أبان باحث ما بعد الدكتواره في مجال إعادة صياغة النظام الرأسمالي في كلية إدارة الأعمال بهارفارد وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن عادل فضل ، أن التجربة البحثية في جامعة “هارفارد” تعتمد على المؤهلات العلمية وخبرات الباحث وإتقان لغات البرمجة ومهارات التواصل والمناقشة العلمية وكتابة تقارير بما يخلق أثرًا إيجابيًا ويضمن القدرة على الإضافة في البحث بجانب الخلفية في التخصص وتحليل البيانات.
وعن طبيعة أبحاثه العلمية، أوضح فضل أنه يركز بحثيا على استدامة الأثر الاقتصادي والبيئي والاجتماعي على منسوبي الشركات، حيث نشر ورقة بحثية كانت بعنوان “تحليل الأثر التوظيفي للشركات” تمكنت من مسح كبير لأداء ٢٦٠٠ شركة عالمية ، مشيرًا إلى أنه يطمح إلى نقل الاستفادة البحثية للجامعات السعودية من خلال تعاون وقياس أداء شمولي وفتح سوق جديد لهارفارد فيها بما يخدم كافة الأطراف.
علاج جديد لمرض “الحزاز”
وتؤكد طالبة الدكتواره والطبيبة المقيمة في برنامج طب أمراض الفم بجامعة “هارفارد” ملاك الهدلق أنها اختارت الدراسة في الجامعة كون التخصص يعتبر جديدًا في السعودية، إذ إن أول برنامج دشن قبل ثلاث سنوات . وقالت في حديثها لـ”واس” : إن التدريب في السعودية قياسًا بدول كإيطاليا وبريطانيا وأمريكا وغيرها يعتبر منافسًا جداً، ولا خوف على من يأتي للالتحاق بالجامعات المرموقة بفضل ذلك.
وأشارت إلى أن ما جذبها في “هارفارد” هو دمج طب الأسنان مع الطب العام باعتبار أن صحة الفم تعتبر جزءاً منه ، حيث تركز بحثها حول إيجاد علاج جديد لمرض الحزاز الذي يؤثر على الأغشية المخاطية، ومن ضمنها الفم ويصيب ١-٢ ٪ من الأشخاص، وذكرت أنها شاركت في المؤتمر السنوي لجمعية طب الفم الأمريكية الذي أقيم قبل أشهر في ولاية تينيسي عن حالة جديدة ومختلفة وهي نوع من التهاب الفم التماسي.
أفضل بحث في “هارفارد “
وصف الباحث السعودي محمد شافي تجربته العلمية في جامعة “هارفارد” بالرائعة والثرية.
وأبان أن تخصصه الدقيق كان يتركز على التنمية الاقتصادية الدولية في الإدارة الحكومية بكلية جون كينيدي للإدارة الحكومية، مشيرًا إلى أنه يركز على التنمية الدولية في الدول الناشئة والمشكلات الاقتصادية التي تواجهها وطرق التغلب وذلك عبر التركيز على الاقتصاد الكمي، بما يشمل: التحليل القياس والتحليل والإحصاء.
وسلط الضوء على رسالة تخرجه التي فازت بأفضل أطروحة بالمشاركة مع زميله سيف عبدالله من دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال التنمية الاقتصادية في الجامعة، بالقول: “الرسالة كانت عن الصناديق الحكومية وكيفية توازن الإنفاق الداخلي الحكومي وموازنة العملة والاستثمار الخارجي، وكيفية نجاح دولة مثل السعودية في استمرار .
وشدد على أن الجيل القادم هم ثروة وطنية لأنه مؤهل وطموح ولديه الرغبة في رفعة بلده، وأن وجود الطلاب السعوديين في الجامعات المتميزة يعد ضمن القوة الناعمة لاسيما وأن لديهم القدرة على مناقشة الأفكار وخاصة مع من لا يملك المعلومة الدقيقة وبالتالي تغيير بعض الصور النمطية.