في ثقافتنا الاجتماعية يُعرَّف أن الكرم هو البذل والعطاء، وضده البخل وهو المنع والشح.
غير أن المعنى الذي يقف خلف الكرم، أو البخل أكثر عمقاً من المعنى السائد في ثقافتنا الاجتماعية.
فمن الأخلاق السيئة مغالبة الرجل على كلامه، والاعتراض عليه، ومقاطعته، أو إذا حدّث حديثاً تعرفه؛ أخذتَ تسابقه فيه، وتقتحمه عليه، وتشده منه، حتى كأنك تريد أن تُظهر للناس أنك عالم بالذي يعلمه المتحدث، بل وتفوقه فيه.
ويغيب عليك أن تصغي إليه حتى يفرغ من حديثه.
وهذا بابٌ من أبواب البخل الخفي الذي يستتر عن العين، لكن تُظهره بقية الجوارح دون أن يشعر صاحبه.
ومن أبواب البخل الخفي -على سبيل المثال- الذي انتشر أمره، واستشرى داءه، أن يحصل غيرك على ترقيةٍ، أو ينال درجةً علمية؛ أو تجد أن التهاني قد انهالت على غيرك؛ فتجد في نفسك أنَّ ثمة شعور بعدم استحقاق -من حصل على الترقية، أو من نال الدرجة العلمية، أو التهنئة- قد بدأ يسري في داخلك، ويتمدد ويتهادى؛ حتى يُطلَّ علينا برأسه، ويظهر في صور ممانعةٍ مقيتة من عدم المبادرة في تقديم التهاني والتبريكات الصادقة، أو مجرد الفرح له والدعاء على أقل تقدير.
فإذا وجدتَ نفسك تعيش حالة هذه الممانعة، أو أنك تضطر إلى دفْع نفسك دفعاً لمشاركة الناس أفراحهم، أو أنْ تجد في نفسك شيئاً من الخير والفرح الذي رُزقوا به؛ فاعلم أن هذا من علامات إصابتك بداء البخل الخفي، وأكثرها تمكُّناً من الإنسان.
وهذه العلامات ستجد -حتماً- الشقوقَ الصغيرةَ التي تنفذ من خلالها دون وعي منك، وسوف تتسرّب من بين أصابع سيطرتك؛ لتجد لها موضعاً في تصرفاتك من غير أن تفطن لها.
وعلاج هذا الداء يكمن في ممارسة التأمل الذاتي -في هذا الجانب تحديداً- بكل موضوعيةٍ وبصيرةٍ، ومن ثم الشروع في مجاهدة النفس، وحمْلها على بذْل الخير والحب للناس ابتغاء الأجر والمثوبة من الله عزَّ وجل.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي