مطعم بخاري!

في الحياة -عادةً- لايتوفر لدينا كل الحلول الممكنة في الوقت الذي نحتاجها فيه؛ فيتطلب ذلك منا بذْل الجهد من أجل تحصيله وتوفيره، وقد يستغرق ذلك وقتاً يطول ويقصر حسب حالة تلك الحلول، ومتطلبات توفيرها.
غير أن تسارع الحياة قد طبع سلوكنا بصورة غير مباشرة بجينات الرغبة الملحة في الحصول على الحل السريع الذي نفضله غالباً في كثير من الأحيان، ونكتشف لاحقاً أنه ليس ناجعاً، بل هو مجرد حل مؤقت، ولم يعطينا النتيجة المرضية.
إن هرولة الإنسان باتجاه الحلول السريعة يُعَدُّ مؤشراً واضحاً على نفاذ صبره، وقلة حيلته، وضعف تسلُّحه بالقدرات الكافية التي تُمكنه من البحث والتقصي لإيجاد الحلول الناجحة لمعالجة الخلل الذي يطرأ عليه، أو الظروف الذي قد تداهمه على حين غرة.
وهذه الهرولة البائسة من شأنها أن تزيد المعاناة، بل وتُعمّق أغوارها، وتبتعد بنا عن حلولها.
إننا قد نكون لقمة سائغة لهذه الحلول السريعة؛ عندما نصرخ في وجوه الأطفال، ويعلو صراخنا كحلٍ سريع للقضاء على فوضى صغارنا، لكن هذا الحل السريع يُثْمرُ حنظلاً ومرارةً في نفوس أولئك الصغار على المدى البعيد من أعمارهم.
وكذلك عندما تمارس سلطتك كرئيس في دائرة معينة من أجل تنفيذ تعليمات معينة بأسلوب فَجٍّ يغيب عنه الكثير من مراعاة الجوانب الإنسانية.
ومع أن هذه الحلول السريعة قد تأتي بنتائج فورية، لكنها تأتي مصحوبةً بإكراه، منزوعة الرغبة والمحبة، وماجاء منزوعاً من الحب؛ سيُنّتجُ عملًا خديجاً ممزوجًا بكُره.
ولعل الامتداد الثقافي لهذه الحلول السريعة نجده مخبوءاً في ثياب تصوراتنا الذهنية، لكنه يتمظهر في سلوكياتنا دون أن نشعر بذلك.
ومثال ذلك انتشار مطاعم الوجبات السريعة،وبالرغم من ضعف الجوانب الصحية بها؛ إلَّا أننا نجد أن أيدينا تمتد نحو تطبيقاتها الرقمية من أجل الحصول على وجبةٍ منها، وأنَّ مركباتنا تقودنا دون أن نشعر إلى المطعم البخاري الذي بجوارنا، وكأننا -من فرط رغبتنا المُلِحّة- نريد أن نقذف بكراتٍ ملتهبة إلى جوفنا في سبيل إسكات صوت إحساسنا بالجوع.
وماهذا الانتشار إلا دلالةً واضحة للتمدد الثقافي الذي يسكن عقولنا، وبات وكأنه من المسلمات؛ فنجد أنفسنا عند حدوث المشكلات نلجأ -دون وعي- إلى أقرب حل سريع ينهي المشكلة في الوقت الذي حدثت فيه، وهذا لايمكن؛ فكل مشكلة تحدث تأخذ حيزاً من المساحة تتمدد فيه، وتُلّقي بآثارها، وقليلٌ من الناس يدركون ذلك؛ فيعملون على احتواء ذلك التمدُّد، والحدّ من المزيد منه، ومن ثم العمل على إيجاد طرق ناجحة لمعالجة المشكلة وفق الإمكانات المتاحة مع أهمية مراعاة مقتضى الحال مع كافة أطراف المشكلة والبعد الزمني والمكاني لها.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *