المصور يملك خيار انتقاء نوع العدسات التي يستخدمها في آلة تصويره قبل التقاط الصورة.
ولعلَّ هذا الاختيار في انتقاء العدسات يحمل رمزيةً موغلة الدلالة في المعاني، وسابرة لكثيرٍ من أدوات التأمل الذهني.
فالمصور عندما يريد أن تكون الصورة شاملة للمكان؛ يختار عدسةً كبيرة من شأنها الإحاطة بكل عناصر المكان، في حين يختار عدسةً صغيرة عند التركيز على عنصر بعينه.
وفي حياتنا نضع عدسات على عين تصوراتنا؛ فلا نرى سوى جزئنا المتناهي الصغر من العالم، ونصبح قصيري النظر ضمن ظروفنا إلى حَدٍّ نعجز معه عن رؤية الصورة الأكبر.
إنَّ هذه العدسات تجعلنا في أكثر الأحيان نعاني من ضيق الأفق، أو من منظور “تقريبي” للحياة خصوصاً عندما تقذف الحياة ببُنياتها من مشكلات على قارعة طريقنا.
إنَّ ما يخدمنا بصورة أفضل هو النظرة الشاملة، وتزويد آلات تصويرنا بعدساتٍ واسعة الزوايا؛ كي نرى الصورة، وحتى لا نكون أسرى موقفٍ ما أو مشكلةٍ قذفتها الحياة في طريقنا.
وبالتالي تساعدنا النظرة الشاملة على التراجع إلى الوراء والانعتاق، ورؤية ما يحدث من نقطة استشراف أكثر إحاطة.
يقول دون ميغيل رويز في كتابه اتفاقات الصحبة الأربعة:
“إننا عندما نتعلق بشيء ما،بمعتقداتنا، بإنسان نُحبّه؛نكون كالعالقين في وضعية تصغير الصورة؛ فلا نرى إلَّا أصغر أجزاء الحياة، ولكن عندما نقوم بتكبير الصورة؛تكون متاعبنا مجرد شذرات صغيرة على وجه الأرض”
إنَّ تكبير الصورة والانعتاق من الأمور التي تزعجك كفيلان بمساعدتك على رؤية أنك ربما لا تكون على حق دائماً، وحتى لو كنت كذلك فقد تكون من مصلحتك إلَّا تعلق نفسك في موقف ما، بل عليك أن تواصل المضي بكل بساطة، وهذا يساعدك على خوض تجارب الحياة بصورة يزيد فيها الرضا وتقلُّ فيها المجابهة.
إننا عندما نقوم بتكبير عدسات تصوراتنا لمواقف الحياة وخاصةً التي تسبب لنا الأذى؛ نتمكن من رؤية الكثير من الاحتمالات، وبالتالي يُتاح لنا إمكانية إبطال مفعول قنبلة الغضب التي بداخلنا، ويمكننا رؤية أفقاً آخر من فيض الاحتمالات المتوافرة أمامنا غير احتمال غضبنا المشتعل.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي