قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. خالد بن سليمان المهنا -في خطبة الجمعة-: كما أن الأجسام لا تحيا إلا بما تتغذى به من مأكل ومشرب فكذلك الأرواح لا حياة لها إلا بغذائها، وغذاؤها ذكر خالقها أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت”، فحياة الذاكر ربه هي الحياة الحقيقية لأنها الحياة الباقية بعد موت النفوس وفناء الأجسام إذ كانت الأرواح لا تفنى وإنما تخرج من الأجساد إلى عالم البرزخ، يقول الحق سبحانه:”والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم”.
وأضاف: القلوب عباد الله تصدأ بالغفلة والذنوب، وجلاؤها بالاستغفار والذكر، فبذكر الله سبحانه تكشف الكربات، وتستدفع الآفات، وتهون المصيبات، هو جلاء القلوب ودواؤها إذا غشيها اعتلالها ألا وإن من أجل الأذكار قدرا وأفضلها أجرا تسبيح رب العالمين فإنه ذكر الملائكة الكرام في أشرف موضع في الكون،”وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم”، وهو دأبهم في ليلهم ونهارهم،” يسبحون الليل والنهار لا يفترون”، “تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم”، الذكر ذخيرة العبد في مواجهة الكربات والشدائد، قال تعالى عن عبده ورسوله يونس ابن متى عليه السلام:” وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين”، وقال سبحانه عنه:” فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون”، وقال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:” ما كرب نبي قط إلا استغاث بالتسبيح”.
وتابع: التسبيح سبب لرضى العبد عن ربه، وسكونه لشرعه وانقياده لأمره، “ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى”، وسبب انشراح الصدر وزوال الضيق، “ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين”، والتسبيح تنزيه الله تعالى وتعظيمه وإجلاله عما وصفه به أهل الشرك وتنزيهه سبحانه من عصيان من لا يرجو له جل وعلا وقارا، ولا يخافه تقدس وتعالى، والتسبيح إقرار العبد بذله وجهله، وإذعان منه لربه واعتراف له بكمال علمه وحكمته، “وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”.
وأضاف: إن لكثرة ذكر الله تعالى ثمرات كثيرة لا تحصى ألا وإن من أعظمها فضلا أن الذكر سبب للنجاة من عذاب الله، قال الصحابي الجليل أبو عبدالرحمن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: “ما عمل ابن آدم عملا أجى له من عذاب الله من ذكر الله”، ومن ثمرات الذكر المعية الله لعبده الذاكر وفي ذلك قال الحق سبحانه: “فاذكروني أذكركم”، وقال في الحديث الإلهي:” أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني”، إن الله تعالى مع عبده المكبر المهلل المسبح الحامد المستغفر يحفظه وينصره ويكفيه ويؤيده وبقدر كثرة الذكر يكون التأييد والنصر.