مجتمعنا الوظيفي

في أجهزتنا الحكومية هناك ثقافة قد تكون سائدة في أغلب تلك الأجهزة ، هذه الثقافة ترتبط بمنسوبي تلك الأجهزة و تتعلق بكيفية التعامل أو التفاعل تجاه مايصدر من قرارات و تعاميم أو حتى الإجراءات التي يتم إصدارها من قبل المسؤولين في تلك الأجهزة سواء أثناء اجتماعات منسوبي الجهة حضورياً مع رؤسائهم أو أثناء اللقاءات التي تكون عبر منصات التواصل الاجتماعي .

أعتقد أن هناك ثلاث أصناف أو ثلاث فئات من الموظفين والموظفات من منسوبي وموظفي أغلب جهاتنا الحكومية من خلالها تكون ردة فعلهم متباينة الى حدٍ ما تجاه ما يطرحه المسؤول أو المدير في تلك الوكالة أو الفرع أو الإدارة أو حتى القسم ..

📍 الفئة الأولى هي الفئة التي تحاول القفز على المسلمات والمعتاد أو لنقل أنها الفئة التي تحاول التفكير من خارج الصندوق بقصد التطوير والابتكار والابداع فتجدها تتعامل مع القرار أو التعميم الجديد التعامل الذي ينبغي من تشريح وتفنيد وتفصيل وقياس أثره على المجتمع المتلقي له والمعني به ومقارنة سلبياته وايجابياته من كل النواحي على المدى القريب والبعيد على حدٍ سواء . تفعل ذلك حتى دون أن يطلب منها .
ودور هذه الفئة نقد القرار ونقد التعميم أو الإجراء ونقد التوجيه وليس انتقاد المسؤول الذي أصدره أو الذي وجه بالإجراء ، دورهم النقد الإيجابي الذي ينطلق من حرصهم على الوطن والمواطن دون خوف أو تردد أو خشية أو محاباة لذلك المسؤول لإيمان هؤلاء بأن النقد الإيجابي هو الرئة التي تتنفس منه المجتمعات للصلاح والإصلاح .

ولابد من الاهتمام بهذه الفئة واحتوائها وتقبلهم طالما أن نقدهم وأطروحاتهم وفكرهم لايمس الشخصيات المعنوية أو الاعتبارية في منظماتنا وأجهزتنا الحكومية ومنحهم التنبيهات المسؤولة التي تحرص على الاستفادة من أفكارهم ومبادراتهم وابتكاراتهم الجيدة وتطويرها ودعمها وبيان القصور ونقاط الضعف في ماسواها من أفكار أخرى دون تحجيم للدور الذي يقوموا به أو التقليل من شأنه وشأنهم .

ومن ذلك أن نكف عن شخصنة أي ردة فعل أو نقد قد يصدر منهم تجاه مايصدر من قرارات وتعاميم وإجراءات في بيئة أعمالنا ومجتمعنا الوظيفي ولنتعامل بموضوعية تفضي بنا للهدف الذي نرجو وترجوه مؤسساتنا في القطاعين العام والخاص على حدٍ سواء.

إن المسؤول الواثق من نفسه هو الذي يمنح الآخرين الفرصة لإبداء الرأي حول عمله ومايطرحه من قرارات بل والاعتراض عليها وتشريحها ونقدها دون خوف بدءاً من مجتمعه الوظيفي من منسوبي جهته التي يعمل بها ومن هم حوله وانتهاءاً بالعميل المتلقي للخدمة . وهو بذلك إنما يُحسن لنفسه ويحافظ على مركزه الوظيفي في تلك الجهة فهو يمنح نفسه الفرصة لأن يتدارك أموراً قد لايستطيع تداركها إن لم يلفت نظره أحد إليها . عندها يستطيع السيطرة عليها في حينه ويتخذ مايلزم من إجراءات تكفل إصلاح الخلل ليتم نِسبة كل ذلك النجاح إليه بحكم أنه هو المسؤول الأول في تلك الجهة أو تلك الإدارة .

📍 الفئة الثانية و هي الفئة التي ( تطبل لقول المسؤول ) لمجرد أنه مسؤول فالمسؤول في نظر هذه الفئة لاينطق عن الهوى فتجدهم حين يغرد المسؤول وحين يهرف حتى بما لايعرف يرددون ( حكيم ياشيخ ) !!

ولابد أنكم تدركون بما لاشك فيه أن هذه الفئة إنما تفعل ذلك طلباً لمصلحة أو منفعة من مديرهم أو رئيسهم فهو في نظرهم يملك منحهم وحرمانهم من منافع كثيرة فهو بيده ( ترقية – مكافأة – تكليف – خارج دوام … ) الخ .

وأمام نيل هذه المطامع والمصالح تتذلل رقابهم، وتذل أنفسهم فتجدهم يتنافسون في التمسح بـ عتبات مكتب السيد المدير وحضرة جناب المدير وسعادة المدير ومسح الجوخ له لعله يرضى عنهم ويمنحهم المصلحة التي لها يهتفون ويطبلون ويطلبون ..

هذه الفئة قد لا تستنكف عن إستخدام أي وسيلة أو أداة مهما كانت سيئة لنيل رضا المسؤول فلديهم قناعة في أن الغاية تبرر الوسيلة .

في المقابل رئيسهم أو مديرهم في تلك الجهة يشحذ فيهم هذه القناعة ويدعمها في نفوسهم ويعزز فيهم هذا المبدأ فهو لايكف عن الإيحاء لهم وكل الموظفين من حوله أنه مامن سبيل لنيل رضاه سوى القيام بما يأمر ويوجه وطاعته الطاعة العمياء التي تنفذ دون مراعاة لأخلاق أو إنسانية أو نظام . وكل العجب يداخلني حين يكون هؤلاء مجرد ريموت كنترول في يد ذلك المدير لينفذوا مخالفات نظامية ليستفيد هو فيكون له المغنم وعليهم الوزر والمغرم إن حصحص الحق .

وحين تستشري مثل هذه الأفعال داخل مجتمعاتنا الوظيفية تبدأ بذور بيئة العمل السامة في النمو يغذيها المسؤول بالترحيب بها وتشجيع نقل الكلام إليه وتشوية صورة الأشخاص ومقاصدهم وطمس المعاني السامية وإجهاض الحق قبل اكتماله ووأد المصداقية فينشأ بين منسوبي الجهة التشاحن والفرقة والبغضاء ويسود التوتر لتبدأ الضغوطات من كل جهة على الموظفين وتنشأ التنافسية السلبية في النيل من فلان وإسقاط فلان وتهميش فلان وتكريم وترقية من لايستحق على حساب من يستحق لأن رضا المسؤول الاول أصبح هدف كل موظف لينال حقوقه .

وحين يتم دعوة هذه الفئة للاجتماع مع مسؤولي جهاتهم تجدهم يتفننون في إطراء كل قول أو فعل صدر بقصد أو دون قصد من رئيسهم ، إن قال فقوله الفصل وإن فعل ففعله العقل والحكمة ،ولو سألتهم ماذا قال لتولوا وهم معرضون! ..

تعوّد هؤلاء على قول أمين لكل مايقول رئيسهم بقصد منح رئيسهم السيء البقاء لأطول مدة ممكنة على كرسيه ففي ذلك بقاء أُعطياتهم ودوام منافعهم .

📍الفئة الثالثة وهم في رأيي أخطر من سابقيهم وهم ( المحايدون ) الذين آثروا الصمت .. واكتفوا بالمشاهدة والمراقبة فقط .. وهم الفئة الأغلب عدداً من بين هذه الفئات ..

فئة تعرف كل شيء وتمتلك الخبرة ولكنها تظن أن كل الحكمة في الصمت والحيادية وعدم التدخل .

هذه الفئة تظن نفسها هي الفئة الناجية وترى أن الصمت والبقاء على الحياد يمنحها إمساك العصا من المنتصف .

فتجد الموظفين من هذه الفئة تسكت إن تحدث المسؤول سواء كانت مع رأيه أو ضده ، بل وتسكت أيضاً إن تحدث الناقد سواء كانت مع نقده أو ضده .

تتملكها الشجاعة والإقدام خلف الكواليس وخلف الستار فتجدها تؤيد وتدعم وتحفز ذلك الجريء الناقد الصادق في الخفاء وتحجم وتتوارى عن كل هذا إن ظهر أمامها السيد المسؤول .

هي فئة جبانه ليست لديها الشجاعة لكي تنتقد قول المسؤول رغم علمها بعدم صوابه وليست لديها الشجاعة حتى تؤيد قول أو رأي زميلها الموظف الناقد للمسؤول وإن كانت في قرارة نفسها تؤيد نقده.

هي تخشى غضب المسؤول وتخشى أن تكون في موقف تبدو فيه أنها تختلف معه .. أو تؤيد رأياً قد يتعارض مع رأيه . فهي في خوف منه في كلا الحالتين .
و مبدأهم الجبان يقول لهم ( اشتري دماغي ).

فهي ساكنة .. هادئة .. ترى الأضرار تلحق بزملائهم الموظفين من قبل مديرهم ولا تحرك ساكناً مهما كان العمل المطلوب منها صغيراً .. بل حتى وإن كان المطلوب منها لرفع الضرر كلمة أو رسالة فهي تخاف لدرجة أنها تؤثر السلامة على نصرة المظلوم من الزملاء إن احتاج الأمر .

ولكن إن شعرت أن هناك من مس حقوقها أو حاول احداً أن ينال منها تأتيك لاهثة باحثة عن من ينصرها وتُظهر ماكانت دائماً تبطنه .

ينطبق عليهم قوله تعالى :
( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)

ولهذه الفئة ( المحايدة) أذكر هذه القصة لعل فيها مايصل بالمعنى الذي أقصدهم به :

” مر رجلاً فرأى قاتل يحز رقبة طفلة صغيرة .. فقال لنفسه : وماذا عليّ أنا من هذا القاتل وما يفعل ” قد تكون عواقب تدخلي والابلاغ عن هذه الجريمه وخيمة . لذا سؤثر أن أكون محايداً ولا دخل لي “

اسألكم : ما رأيكم في هذا الحياد ؟؟

أخيراً :

إننا نحتاج للفئة الأولى .. نحتاج للنقد الإيجابي للقرار والتعميم والإجراء .
نحتاج لأن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت .

نحتاج أن ندعم ونشجع كل نقد بناء ولكي ننجح في إيجاد وفرة من هؤلاء , علينا أن ننجح في إجتثاث كل طبل ومطبل وكل فساد في بيئة أعمالنا ومجتمعاتنا الوظيفية .

*والمحايدون *.. عليهم أن يكفوا عن حيادهم السلبي فالسكوت ليس في كل حالاته من ذهب .

 

 

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *