رماد الذاكرة وبراءة عقولنا!

المعرفة سلطة، والعقل المُتحصّن بالسلطة لا يتعلم، ولن يتعلم إذا لم يوقف عملية الإضافة وحشد المعارف.
غالباً يصعب على أكثرنا التمييز بين التعلم واكتساب المعرفة؛ لأننا اعتدنا على الثانية، وزهدنا في الأولى.
فنحن نجمع المعرفة بالتجارب والمطالعة والإنصات إلى المحاضرات وغيرها.
‏وبالتالي فهي عملية اكتساب وإضافة إلى ما علمناه مسبقاً.
إن التعلم لا ينطوي على عملية إضافة إلى ما تعرفه.
إننا لا نتعلّم إلَّا عندما نقطع الارتباط بالماضي ومعارفه؛ أي عندما نرى شيئاً جديداً، ولا نفسره بمصطلحات جمعتها سابقاً.
فالعقل الذي يتعلم عقلٌ بريء، في حين أنّ عقلاً يكتسب المعرفة قديم أفسده الاتكال على الماضي.
‏ولذا يتمتع العقل البريء بالإدراك الفوري للأمور، ويتعلم طوال الوقت دون اللجوء إلى جمع وحشد لما تعلمه في الماضي.
ولعلَّ تلاحظ أنه يشيخ جسمك وعقلك عندما تُثّقله تجارب الحياة وبؤسها، وعقلٌ كهذا سيصبح عاجزاً عن اكتشاف ما هية الحقيقة.
وحده العقل الشاب والجديد والبريء لديه القدرة على اكتشافها وسبْر أغوارها.
والبراءة غير مقترنة بالأطفال فقط، فالعقل أيضاً يمكنه أن يكون بريئاً إذا جرّب، ولم يُراكم بقايا تجاربه.
فعلى العقل أن يُجرّب ويستجيب، لكن دون أن تقبض التجربة على روحه.
إن عادات العقل وتراكم التجارب ورماد الذاكرة تجعل العقل قديماً خارجاً من طور البراءة، في حين أن العقل الذي يتخلّص -على نحو واع- كل يوم من ذكريات الأمس، وأفراح الماضي وأتراحه فهو عقل جديد وبريء، لا يعرف عمراً.
وبدون هذه البراءة لن تبلغ الحقيقة سواءً أكنت في العاشرة من عمرك أو الستين.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *