حالنا مع اللّوم!

في كتابه الذي يحمل عنوان “سرقة الروح” يكتب الاخصائي النفسي كارل هامر شلاغ عن شاب في الثامنة عشرة من عمره يُدعى هيو، والذي كان يعد من أفضل متسلقي الجبال. ففي إحدى بعثات التسلق، علق هيو وسط عاصفة ثلجية، وبلغ منه التجمّد من شدة البرد مبلغه، ولما جرى إنقاذه أخيراً بعد أن قضى يومين مرعبين كان شبه ميت بسبب انخفاض حرارة جسمه؛تحتم بتر ساقيه من أسفل الركبة.
كان في إمكان (هيو) إلقاء اللوم على الكثير من الأمور فيما حدث له، من ظروف الطقس السيئة، والمنقذين البطيئين، والكادر الطبي الذي بتر ساقيه، إلَّا إنه لم يفعل ذلك.
يُخبرنا (هامر شلاغ): “في غضون سنة، تعلَّمَ (هيو) تصميم الأطراف الصناعية، وصنع لنفسه قدمين جديدتين، واستعاد قدرته على تسلق الجبال مرة أخرى، ولكن بساقين جديدتين هذه المرة”
وهيو يمتلك حسّاً فكاهياً، فعندما سُئل عن حال التسلق الآن مقارنة قبل وقوع الحادثة، قال: لم تَعُد ساقاي تتشنجان الآن.
ومع المثالية المُفْرِطة التي تبدو عليها القصة، إِلَّا أننا نجد أنفسنا أمام خيارين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التعبير عن هول الصدمة يأخذ مساحةً كبيرة جداً من الزمن والجسد حتى يتمكن الإنسان من العودة إلى تدارك أمره.
 هذان الخياران، أولهما أننا نستطيع الكفّ عن لوم الآخرين والأحداث عن تعاستنا، عبر تقبُّل الأمور على حالها، وتحمُّل المسؤولية والتعامل مع الأمور كما هي، وهنا تبرز قوة الاستعانة بالله عزّ وجل لتجاوز أوقاتنا العصيبة.
وثانيهما، أننا نلوم الناس، والظروف، ونُكْثر مِنْ التسخُّط وعدم الرضا، ونلوم، ونلوم، وتطول القائمة.
إننا عندما نتماهى مع حالة اللوم التي تُصيبنا عند حدوث ما يُفْزعنا؛ فإنما نُوجه طاقتنا بعيداً منا، ونهمل فرصة تطورنا وتعلّمنا. بينما عندما نكفُّ عن اللوم؛ نَشرعُ في معالجة الأمور على نحو فعّال، ونبدأ في معاودة ركْضنا الدَّؤوب بالحياة.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *