هناك فرق كبير بين النقد الهادف البَنّاء و بين ممارسة النقد الشخصي الذي يهدف إلى التجريح و التقليل من شأن الآخرين و من إنجازاتهم ، أو الدخول في النوايا و الذمم ، و ربما وصل الأمر إلى الظلم و الإدعاء و الإفتراء عليهم لتحقيق و إشباع رغبات شخصية رخيصة في نفس الناقد ، و الذي دفعة إفتقارة الحجة و الدليل و المنطق لممارسة تلك التصرفات ، و ربما بدافع الحسد و الغيرة و التعالي على الأخرين.
و في مجتمعنا اليوم أصبح هذا النوع من النقد ظاهرة مستشرية و لم يسلم منها حتى بعض المحسوبين على الأدب و الثقافة و الأكاديميين ، و خصوصاً في مواقع التواصل الإجتماعي التي لم يحسن الكثير منهم استخدامها و لا يملكون الفكر المتزن الذي يستطيعون من خلاله التعامل الأمثل مع ردود الفعل ، و التعامل مع كافة الأطياف و المشارب الفكرية للمجتمع الذي يعيشون في وسطه ، في ظل هذه المساحة من التقنية الحرة التي أتيحت للجميع . إن من أساسيات النقد البناء أن يكون موجه لموضوع المادة النقدية ، و لايتجاوزها للشخصية سواء بشكل مباشر أو استخدام إسقاطات لفظية من قريب أو بعيد تخدش جمال عبارة الأسلوب النقدي ، و الذي يقوم على المنهج العلمي و يستخدم أدواته و قواعد العلم الذي يتناوله موضوع مادة النقد ، و من المستحسن أن تكون عبارات النقد الهادف تحمل الود و التقدير و الإحترام لمتبني الفكر أو الرأي المنقود حتى يستساغ ذلك النقد و يسهل على نفوس متلقيه ، و يحقق الغرض المرجو من المادة النقدية .
نحن تعلمنا من خلال ديننا و تربيتنا الإسلامية و منهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أن النصح يكون في السر و بالتي هي أحسن و محاولة إيضاح الخطأ بحديث محبب للنفس للبشرية و بلسان رطب و قلب محب بعيد كل البعد عن التجريح و الإساءة ، و خاصة عندما يتعلق النصح بالأمور الشخصية .. قال تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين ) ..
و روي أن رجل قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أمام الناس : يا أمير المؤمنين إنك أخطأت في كذا و كذا و أنصحك بكذا و كذا ، فقال رضي الله عنه : (( إذا نصحتني فأنصحني بيني و بينك فأني لا أمن عليكم و لاعلى نفسي حين تنصحني علناً بين الناس )) ..
و يقول الإمام الشافعي : تعمدني بنصحك في انفرادي ، و جنبني النصيحة في الجماعه ، فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه ، و إن خالفتني و عصيت أمري ، فلاتجزع إذا لم تعط طاعة ..
مهدي نفاع بن مسلم
قرية مهايع – محافظة الكامل
مقالات سابقة للكاتب