بسم الله الرحمن الرحيم
من أصدقاء ملتقى حاتم الطائي الدولي الخامس
25 أكتوبر – 28 أكتوبر 2022م
3/29 – 1444/4/3هـ
فاتحة:
یــا نایـــف المهيـــلــــــب *** يا أيهـا الشــــهـم الأبـــي
دعوتنــــــــــــــــــتا لندوة *** في حـــــــــــــــائل التوثـب
عن قهوة مشــــــــــروبة *** بالكيــــــــــف والتـــــــحبب
فقــلت يا أنـــعم بكــــــم *** أهــــــل النـــــــدى والأدب
وحيـــهـــلا ومســـــهـــلا *** بــــحــاضــــــر وغــائـــــب
فـــي مـــلتقى لحاتــــــم *** ذي الــجـــــود والــتــــأدب
ويـــا رفــــــاق كــــــــرروا *** الشــــكر لـ (المهيــــــلب)
*****
(2) ومع نهايات المعرض الدولي للكتاب في الرياض، في دورته السابقة 29 سبتمبر – 8 أكتوبر 2022م الشهر الثالث من العام 1444هـ شرفت بمرافقة الزميل الدكتور ناصر الحميدي – أستاذ الأدب والنقد بجامعة تبوك، فرع أملج وكنا نتأخى ونتسامر ونتجاذب أطراف السير الثقافية، فإذا برسالة (واتسابية) من حبيبنا الدكتور (المهيلب) يؤكد الدعوة لحضور ملتقى حاتم الطائي الخامس !! ولم نجد يداً من الاستجابة والتحضير لهذه الرحلة الثقافية والمعرفية، فقام صاحبنا الدكتور (ناصر) بالحجز والترتيبات، فله مزيد الشكر والتحيات.
*****
(3) وها نحن في صباح الاثنين 1444/3/28هـ، وأنا في انتظار رفيق الرحلة الحائلية الدكتور ناصر الحميدي، الذي سيشرفني على طعام الإفطار، استعداداً للذهاب إلى المطار سوياً… وها هو يقدم إلينا بمساعدة العم جوجل، و(اللوكيشن) الذي قرب المسافات وحدد العناوين بدقة متناهية، لولا استخداماتنا ومعطياتنا الخاطئة!!
يا إلهي كيف لم أتقن هذه الفاعلية التقنية حتى الآن؟! ولم أفعلها في جهازي الذكي الجديد ؟! ولم لا أزال على تقنية الوصف اللغوي والذاكرة الذهنية حتى اليوم؟؟؟!
أفطرنا – والحمد لله – على وجبة شعبية (خبز الملة الطائفية مع السمن والعسل، قول وتميس جداوي، مرسة جازانية شاي أخضر (مديني)، وقبلها (القهوة السعودية والتمرة السكرية القصيمية، والروثانة المدينية، والبرجي الدوسري، والخلاص الحساوي)!! الله على هذه التشكيلة الوطنية !!
وها نحن في طريقنا إلى المطار قبيل صلاة الظهر برفقة الابن (تركي) حفظه الله أنهينا إجراءات السفر، ودخلنا إلى قاعة المغادرة وكل ذلك في دقائق معدودات بفضل التسهيلات التي يقوم بها موظفو مطار الملك عبد العزيز بجدة وطواقم الطيران التجاري (fynas) فشكراً للجميع ومزيداً من التقدم والتطوير.
*****
(4) في المطار.. وفي سويعة الانتظار أطلعني الصديق الدكتور ناصر الحميدي على محادثات واتسابية ومحاورات شعرية مع زميلنا الدكتور سعد الرفاعي!! معاتباً ومعترضاً على استحواذه لرفقتي إلى حائل !! وكان الزميل سعد الرفاعي قد عرض علي السفر سوياً عن طريق البر فاعتذرت له !!
يقول سعد في رسالة صوتية
أقول لك محبة وتحذيراً:
ما كنت أحسبك العصي الجاسرا
حتــــــى تكون لخير صحبي آسرا
فخطفت يـوسف عن دروب ترحل
ســـــــرنا بها ذاك الزمــان العابرا
إني أحــذر كــي تكف عن الأسى
وأخــص في دَيْنِ المغـــارم نـاصرا
فرد الدكتور ناصر قائلاً:
ما كــــنت آخذ جيكم متخيـــــراً
بل ذاك من يبغ الجـــوار مجاورا
لولا تنــفـــره لشـــيء شــــافه
ما كـــــان يترك خله متجـــاسرا
سلم الذي أناه عن فسطــــاطه
حتى أتى يبغي المحبة نـاصـرا
فرد عليه الدكتور سعد:
لا تعجلــن ودع ملامـــــي آخرا
فهو المطـــاع متى أراد مبـادرا
ولقــد عهدت وفـــــاءه متجـددا
عبـر السنين وما عرفت الغادرا
لكتمـــــا السر الدفين متى بدا
سنـــراك ناصر رابحـاً أم خاسرا
فرد عليه الدكتور ناصر :
سَجَّ الملام على عريض عجــــالةٍ
ينـــدى بهـــا صدر تألم حـــــــاذرا
مــــا كل من عــاف الديار مكــاره
رغـم البعـــاد تراه يشكو خـاسرا
حظي على كف القضاء وقد ترى
يـــــــا سعد دومــاً للأحبة نــاصرا
وهنا أدركت شاعرية أخي الدكتور ناصر الحميدي، التي تتوارى خلف التخصص الأدبي والدراسات النقدية، وما يحمله أخي الدكتور سعد الرفاعي من محبة وألفة في رحلاتنا الأدبية والتربوية.
كما أدركت قيمة المراسلات الأخوية الشعرية وما تنطوي عليه من سياقات وإلماحات ودلالات نفسية واجتماعية وإخوانية، فلهما كل الشكر على هذه الحوارية الشعرية التي كنت فيها باعثاً ومثيراً!!
*****
(5) وأقلعت الطائرة، وهانحن في الفضاء !! كان علينا أن نتوقف في مطار الرياض لننتقل إلى طائرة أخرى تتجه لحائل، التي وصلناها قبيل صلاة المغرب من مساء هذا اليوم الاثنين 1444/3/28هـ / 24 أكتوبر 2022م، ووجدنا مضيفينا من العلاقات العامة بنادي حائل الأدبي في استقبالنا بالمطار والترحيب بنا، وإيصالنا إلى الفندق الذي يبعد عن قلب المدينة حائل حوالي 5 كيلومترات فما بالك عن الفندق الذي أعد للسكن فيه بجوار جامعة حائل التي تبعد عن المطار 4 كيلومترات – كما تقول الوكيبيديا !!
ومن المطار إلى الفندق كان قائد السيارة يحدثنا عن حاتم وكرمه، وأهالي حائل أهل الجود والنخوة والكرم، وعن التطورات التي شهدتها حائل /المدينة والمنطقة، وعن الملتقى والاستعدادات والشباب المنظمين، مما جعلني أرتجل أبياتاً بدأتها في الطريق ما بين المطار والفندق، وأنهيتها الآن وأنا أكتب هذا المقال:
شباب يثلجون الصدر فخراً
بهم ترقــى الديار ويرتقونا
لقينــا عندهم أنساً ولطفاً
وترحيبـــاً نعيش به قرونـا
فهم أحفــــــاد نبل حاتميٍ
وهم قوم كرام أكــرمونـا !!
نحن الآن في الفندق (ملينيوم حائل) أحدث وأضخم الفنادق في حائل، مجاوراً للمباني الجديدة لجامعة حائل وفي محيطها العام، ويقال إنه من أملاك الجامعة وريعه لها إنشاءٌ وتطويراً وتأهيلاً!!
وفي البهو وجدنا الدكتور نايف المهيلب وخيمته العربية، والقهوة السعودية ينتظر ضيوفه لاستقبالهم والترحيب بهم، وقد سبقنا مجموعة من الضيوف السعوديين والخليجيين التقينا بهم وتعرفنا عليهم و (تقهوينا) معهم، ثم فوجئنا بالشريك الاستراتيجي للملتقى الشيخ محمد بن علي الجميعة صاحب مزارع العزيزية، يحضر للفندق ويرحب بالضيوف الذين وصلوا ويشاركهم مائدة العشاء في الفندق مقر الندوة والسكن والملتقى.
وبعد ذلك كله تبدأ سهرة من نوع خاص مع الأديب والناقد الدكتور سعيد السريحي – أحد المكرمين في الملتقى – لأنه ممن كتب وألف عن القهوة كتابه الشهير: غواية الاسم/ سيرة القهوة وخطاب التحريم الصادر عام 2011م عن نادي الرياض الأدبي، وهو كتاب قرأته قديماً فور صدوره فوجدت فيه إبداعات سعيد السريحي التأليفية، فهو يسرد لك تحولات هذا المشروب الاجتماعي ابتداء من تسميتها وانتهاء بأحكام التحريم!! كتاب يستعرض تاريخ القهوة منذ القرن (الثامن الهجري) وقيل (العاشر الهجري) حين اكتشفت في موطنها الأصلي (اليمن) أو (الحبشة) وانتقالها إلى شبه الجزيرة العربية مع التجار، ويغوص عميقاً في دلالاتها ورمزيتها وأبعادها كل ذلك في فصول خمسة تدعو القارئ أن يزداد علماً وتعلماً عبر هذا الكتاب الجميل في مادته، والأجمل في درسه ونقده وفضاءاته المعرفية !!
قلت إن السهرة بدأت خارج الفندق مع ثلةٍ مع الزملاء المشاركين في الملتقى وكان المتحدث الرئيس الدكتور سعيد السريحي الذي طاف بنا في قصائده الفصيحة، مثل: نسيان ووداعية أبو مدين أو الشعبية المحكية مثل مصر حلوة باللهجة المصرية ومثل خليص باللهجة المحلية السعودية.
ولم تنته السهرة بعد، إذ دعينا إلى مجلس الدكتور محمد بودي رئيس النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية حيث كانت هناك سهرة من نوع مختلف كان فيها سعادة الأستاذ الدكتور حسن الهويمل، والأستاذ الدكتور عبدالله عسيلان والدكتور سعد العطوي والدكتور محمد الربيع، والأستاذ صالح العوض، والشاعر ماجد الجهني، وجمع آخر لا أذكر أسماء هم ودارت الحوارات والنقاشات الأدبية ولكن (بودَيّ) خرج بنا نحو أفاق الطب الشعبي أو البديل حيث حدثنا عن (لقاح النخل) (الوبار) وفوائده الأمراض الشيخوخة والذكورة وغيرها، وخاصة للشيوخ الأدباء وكبار السن والمتقاعدين!! وأكد ذلك تطبيقياً حيث قدم لنا الشاي مصحوباً بقطرات من هذه اللقاحات النخلية !!
كما تحدث الزملاء عن السياحة العلاجية في بلاد التشيك حيث المياه المعدنية الحارة، والمنتجعات العلاجية وسط الطبيعة والمناظر الخلابة، مثل: مصحات مدينة كارلوفي فاري، ومدينة تبليتسه، ودوبي، وماريانسكي وغيرها. وكذلك السياحة العلاجية في السلوفاك حيث العلاج بالطين الطمي والمياه الكبريتية، وأحواض المرايا وغيرها أفاض فيها بالحديث كل من المشاركيين في هذه السهرة التي أكرمنا فيها الدكتور محمد بودي بقهوته الحساوية والشاي الشرقاوي، وروحه المعرفية وفضاءاته اللغوية الإثرائية !!
وانتهت السهرة، وانطلق كل منا إلى غرفته للمبيت، استعداداً لغدٍ الثلاثاء “أول أيام الملتقى”.
*****
(6) وأصبح الصباح.. وغنت الطيور على الأقاح.. معلنة عن يوم 2022/3/29م، وفي مصلى الفندق نلتقي جمعاً من ضيوف الملتقى لصلاة الفجر جماعة والحمد لله ثم قمت إلى نشاطي الرياضي اليومي المعتاد المشي لمدة ساعة ونصف تقريباً حول الفندق حيث وجدت فضاء قسيحاً محيطاً بالفندق وملاعب رياضية وحولها مضمار للسعي كان هذا كاف لممارسة المشي يومياً إما بمفردي أو بمرافقة بعض الزملاء النشيطين لمثل هذه الممارسة الرياضية الصباحية، وفي أجواء مناسبة تميل إلى البرودة ولكنها ليست باردة، والسماء غائمة في فجرية تتنفس عطراً حائليا محفزاً على رياضة المشي والجري الخفيف!!
عدت للفندق حيث يتجمع الضيوف لتناول طعام الإفطار، وتشاء الإرادة الربانية أن أجلس مع أحد ضيوف الملتقى من دولة الكويت الشقيقة سعادة الدكتور عبدالمحسن بن لافي الشمري صاحب الابتسامة الرضيَّة والشخصية العسكرية والفكر التدريبي الاستراتيجي، والروح الفكهة المرحة الاجتماعية، وهو من أبناء شمر القاطنين في الكويت وله في حائل معارف وأقارب وأملاك، ولكنه يحمل الجنسية الكويتية وعمل في قطاعاتها العسكرية والمدنية، وقاده طموحه ونظرته المستقبلية إلى مواصلة التعلم حتى حصل على الشهادة العالية الدكتوراه منذ عام 2018 في العلوم السياسية والدراسات الأسيوية، ناشط ثقافي ومشارك في كثير من الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، ويرأس مركز الانفراد للاستشارات والتدريب، ومقدم للعديد من البرامج التدريبية في الإدارة والقيادة والتخطيط وإدارة الأزمات، وغيرها من البرامج التنموية والتطويرية.
رجل بمرتبة إنسان يمنحك الشعور بالألفة والجاذبية، والكاريزما اللطيفة !! جلست إليه وتبادلنا أطراف الأحاديث الثقافية، فانتلفت روحينا وبدأت بيننا علاقة أخوية استمرت حتى الآن، تواصلاً وتراسلاً وتذكاراً.
كان الوقت منذ الصباح وحتى المغرب يوماً مفتوحاً فلا فعاليات ولا برنامج إذ ستبدأ كلها مع حفل الافتتاح مساء هذا اليوم الثلاثاء 3/20، فكان لابد من إشغاله بما يفيد، ولهذا فقد اجتمعت رغباتي مع رغبات الضيف الكويتي، أن نقوم بجولة سياحية في المدينة (حائل) وزيارة بعض الأسواق الشعبية القديمة ومراجعة بعض الدوائر المالية، وزيارة بعض الأقارب والصداقات في حائل، فأكرمنا المنظمون بتوفير السيارة والسائق لنقوم بهذه الجولة الصباحية، التي شملت وسط المدينة ومركزها القديم، وسوق التمور والسوق الشعبي النسائي، وموقد حاتم الطائي، والطريق الدائري الجديد الذي يحاذي وادي الأديرع، وبرج حائل والأحياء القديمة في حائل، وسواها من العالم في وسط المدينة (البلد ) !!
كانت جولة صباحية تذكرت فيها زيارتي الأولى لحائل عام 1423هـ، وأشعرتني اليوم بمدى التطور والتقدم التنموي، والتغييرات المتسارعة في تحويل المدينة من بدائية إلى حداثية، ومن ماضوية إلى تقدمية، ومن أسواق شعبية إلى المولات والمراكز التجارية ومن البيوت الطينية والعمائر ذات الدور الواحد والدورين إلى الأبراج السكنية أو الفلل الراقية والفنادق العالمية. وكل ذلك التنامي والتطور عبر (21) سنة تقريباً فالحمد للَّه ثمَّ لقيادتنا الرشيدة التي حققت هذه الطفرات التنموية في جميع مناطقنا ومحافظاتنا السعودية !!
وعدنا من الجولة قبيل صلاة العصر، كان رفيقي سعادة الدكتور عبد المحسن الشمري أنيس الرفقة بأحاديثه وذكرياته وتعليقاته التي لا تمل منها طوال هذه الجولة، لاسيما وأنه عرفنا على مجموعة من أقاربه زرناهم في دارهم، بأحد الأحياء الجديدة في حائل، وتناولنا عندهم القهوة وتطارحنا الأحاديث الودية، والقصائد الشعرية، والذكريات الماضوية، والعلوم الثقافية والسياسية في الكويت والعالم والسعودية !!
*****
(7) وحان المساء، وهاهم ضيوف الملتقى، والمنظمون والمدعوون في القاعة الكبرى بفندق ملينيوم حائل بانتظار تشريف سمو أمير المنطقة لتدشين وافتتاح الملتقى، ودعم انطلاقات جلساته العلمية، وفعالياته المصاحبة.
ونحن في الطريق للقاعة لفت نظري أخي الدكتور سعد الرفاعي، وهو يحرص على التقاط الصور الشخصية والجماعية والسلفي مع بعض الضيوف، وينفرد بنفسه في مواقع مختلفة من القاعة لتلتقط له الصور طالباً من المصورين صوراً بمقاييس مختلفة، فهذه صورة طولية، وهذه صورة عرضية وكأن أحداً طلبها منه.. فلما انفردت به هست في أذنه قائلاً: الصورة مهما كان شكلها تظل صورة.. نحن نبحث عن الحقيقة!! أينك يا سعد بين الصورة والواقع/ الحقائق !! وكأنني أغضبته، ولسان حاله يقول لعل لي عذراً وأنت تلوم !! وأعطاني محموله (الجوال) لأرى الطلب الذي جاءه عن صورة بشكل طولي!!
فأسقط في يدي وقلت في نفسي ليت لي رقبة زرافة حتى يتلجلج الكلام في حنجدرتي ولا يخرج إلا بعد تفكير وتدبر !! فإليه عذري ومحبتي !!
وبدأ الحفل البهيج، والسهرة الافتتاحية بين كلمات وخطب، وأوبريتات وشعر، وتكريم وهدايا.. ولكن بقي في ذاكرتي وسجله قلمي كلمتان رائعتان باذختان فيهما من الشعرية والأدبية ما تزين به الصفحات وترتاح لها الأذهان، وتنصت باستمتاع لها الأذان.
الأولى: كلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبدالعزيز آل سعود أمير المنطقة التي قال فيها: “حمسناها فكراً فكان للنجر أنين، وشربناها ثقافة فكان لزلِّ الدلَّة أصالة وعراقة” هنا نلحظ التماهي مع موضوع الملتقى حول القهوة السعودية، والتناص مع مكونات القهوة ومواعينها وطقوسها (حمسناها .. النِّجر .. زلَّ.. الدلَّة) في دلالات وإيحاءات لغوية فاتنة، جاءت على لسان الأمبير مرتجلة، فهو ابن البادية، الصحراء، ابن هذه القيم العريقة القهوة ومكوناتها وطقوسها .. فكيف لا يأتي بها في مطلع كلمته !!
ومما جاء في كلمة سموه: “كنت أعلم حجم هذا التجمع – (يعني تجمع المنتدين والمدعوين ضيوف الملتقى) – لسبب : حينما خرجت من منزلي لم أجد نجوماً في السماء، فوجدتها حاضرة في هذا الموقع” وهنا نلاحظ هذه البلاغة والفصاحة والتشبيهات الإبداعية فنجوم السماء تهبط إلى الأرض لتكون هي صورة التجمع/ الحاضرين للملتقى !!
وآخر ما أسعدني في هذه الكلمة الضافية قول سموه الكريم – حفظه الله وأدام عليه البلاغة والإبداع وحسن الارتجال- :
“نسعد بكم ونعتقد أنكم أتيتم في المكان والإنسان وها هي الليلة تحدد الزمان.. اليوم نريد منصة للأدباء والمفكرين في هذا الوطن العظيم، الذي يزخر بأهم كنوزه ألا وهو “الإنسان” نعم يا سمو الأمير هذه الليلة – وهذا الملتقى، يؤكد نظرتكم لقيمة الإنسان الذي يحوله المكان والزمان إلى فاعلية واستثمار وعطاء !!
ألم أقل إنها كلمة باذخة، ضافية، معترة، متجاوزة، أكدت لي – ولجميع الحاضرين/ ضيوف الملتقى – أن سمو الأمير يمتلك ناصية اللغة والفصاحة والتعبير، ويملك القدرة على التواصل اللغوي والجسدي من خلال فن الارتجال والتحرير والتأثير !!
أما الكلمة الثانية: فهي كلمة رئيس النادي الأدبي بحائل والمشرف العام على الملتقى سعادة الدكتور نايف المهيلب والتي جاء فهيا مجموعة من المقولات التي احتفظت بها الذاكرة حتى اليوم ومنها:
“الحمد لله الذي أخرج لنا من القهوة شراباً مختلفاً ألوانه فيه مذاقات للناس.
والصلاة والسلام على من أحال إكرام الضيف من العادة إلى العبادة في قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه والقهوة هي سنام الإكرام.
في هذا المفتتح الخطابي نلمس التناصات القرآنية والأحاديث النبوية والتحولات النصية فنتذكر قول الحق سبحانه عن النحل والعسل: “…. فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس” سورة النحل.
وكيف استطاع المتحدث د. نايف المهيلب استثمار النص القرآني ليجعل من القهوة (شراباً مختلفاً ألوانه) مثل الوصف الرباني عن (العسل)، ويجعل منها (مذاقاً للناس) مثل الوصف القرآني (شفاء للناس) وهذا من جماليات المطالع الخطابية التي توحي للسامع بمقدرة المتحدث على التنويع النَّصي عبر لغة خطابية آسرة!!
أما التناصات الأحاديث/ نبوية فتشير إليها مقولة الدكتور المهيلب بعد الصلاة والسلام على الرسول الأمين والذي أحال إكرام الضيف من العادة إلى العبادة (وإيراد الحديث النبوي الدال على إكرام الضيف)، والإشارة إلى أن القهوة سنام الإكرام !!
وفي كامل الكلمة الافتتاحية نجد اللغة المكثفة الفصيحة، والبلاغة الأسلوبية المعتبرة، بجناسها وطباقها، واستعاراتها ومن ذلك: “أهلاً وسهلاً بحجم الجبلين/ وعلى شرف عريب الجدين”.
“قدوم مبارك من نخبة عالمة/ في مدينة حالمة”
“تؤثث فضاءنا فكراً وثقافة/ وتحلق بنا حباً ووفاء”.
“أرى أنني ملزم من حيث المبدأ/ ومرغم من حيث الضمير”.
“وافق على هذا الملتقى وهو على سرير العافية بهش بعصاه على ألمه/ ويبارك ذلك بمداد قلمه !!”
“ومن هنا تتجلى العلاقة بيننا وبين أميرنا المحبوب، فهي علاقة (صفرية) من حيث المسافة لكنها (مئوية) من حيث المنزلة والمقام “!!
وفي هذا كل الدلالة على امتلاك حبيبنا الدكتور نايف المهيلب لغة فصيحة اللسان وقدرة لغوية على التحدث والكتابة والخطابة المنبرية، في حضور ذهني وانسيابية فكرية وروعة بيان!!
وانتهى حفل الافتتاح بكل برامجه التفاعلية وفضاءاته التنظيمية، وجمالياته الإخراجية، فكان حفلاً مميزاً ألقى بظلاله الدالة على النجاح وحسن التنظيم وروعة الاستعداد، فارتسم في نفوسنا – نحن ضيوف الملتقى – أولى بوادر نجاح الملتقى بعموم جلساته وأعماله العلمية التي ستبدأ صباح الغد الأربعاء 1444/4/1هـ – 26 أكتوبر 2022.
لم تنته هذه الليلة الافتتاحية بل انتقلت بكل حمولاتها الجمالية إلى مقهى الدكتور حمد السويلم المعتاد !! فقد أمن مضيفنا الدكتور نايف المهيلب جناحاً واسعاً للدكتور السويلم، لأنه يعرف مضافته المعتادة في كل لقاءاتنا الثقافوية، ولأنه يدرك قيمة الهامش في هذه الملتقيات الأدبية، وما تنتجه من تاخ وتعارف وتعاطي للأمور الأدبية والثقافية بكل تحرر وجدية، لتبقى واحة خضراء باسقة الطلع بعد الجلسات الرسمية وورش العمل المبرمجة !!
وبدأت السهرة وبادرت بإدارة الأمسية وتنظيم طروحاتها حيث تعاطينا الشعر والجدل الثقافي حول موضوع المؤتمر والمنتدى/ القهوة السعودية، واستمتعنا بشعر الدكتور سعيد السريحي، وعبد الله الدريهم، والدكتور ظافر القرني – الذي أهدانا ديوانه الجديد (سمرات الحي)، الذي طبعه نادي حائل الأدبي هذا العام 1444هـ، وسيكون لي معه وقفة نقدية إن شاء الله – والدكتور سعد الرفاعي، كما استمتعنا بمداخلات وتعليقات الشاعر صالح العوض والدكتور عبدالله عسيلان والضيف العزيز من دولة قطر (يوسف الحرمي).
*****
(8) وأصبح الصباح.. أصبحنا وأصبح الملك لله صلاة فجر في جماعة مع بعض ضيوف الملتقى الحريصين على هكذا طاعة !! ثم رياضة المشي الصباحية.. واليوم برفقة الزميل الدكتور ناصر الحميدي، الذي أطلعني على أبيات ترحيبية عن حائل والملتقى يريد أن يفتتح بها إدارة الجلسة المكلف بها صباح هذا اليوم، ويرغب الاستنارة برأيي الشعري والنقدي، قال فيها:
تصــــافح الأنــس والأفــــراح في بـلد
يُنْمَـى إلــى واحد من أهلهــــا الكــرم
جئنــــا على سُرُجِ الأشعــــار ضــامرة
تطـوى بنـــــا الأرض والأشواق تحتدم
في ملتقى حاتم روض القلوب سقـى
رجــــــــالهــا قهوة توفـــى بهــا الذمم
وكــم سعدنــا ونــادي حـــــائل ســبب
للملتقــــى… فلـــه شكر جنـــــاه فــم
وبعد مداولات وتعديلات ومناقشات استقرت القصيدة على النحو الذي اختتم به الجلسة الثالثة من جلسات الملتقى وهي كما يلي:
جئنــــا إلى حائل أزهـــى محـــــافظة
يُنْمَــى إلـــى واحـــد من أهلهــا الكرم
يحــدو بنــــا الشـــوق والأيـــام سائرة
والقلـــــب تبهــجه الأنســــام والنغـــم
فــي ملتقـــــى حـــاتم طابت لنـا حكم
مــع قهوة أســـرَتْ، توفــى بهـــا الذمم
وكــم سعــدنــــا ونــــادي حائــل سبب
للملتقــــــى… فـلــه شكــر جنتـــاه فم
وبعد ختام الحصة الرياضية عدنا إلى الفندق حيث طعام الإفطار، وما إن دلفنا إلى المطعم حتى تبادر إلى أسماعنا خبر وفاة الزميلة الدكتورة سعاد خلف الوريكاني السلمي مشرفة رواق السرد بنادي جدة الأدبي، والمعينة حديثاً في جامعة حائل والقادمة من جدة لمباشرة عملها ثم الحصول على الموافقة لنقلها إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة.. ولكن القدر لم يمهلها لتحقيق هذه الغايات فحصل لها حادث وهي في طريقها من المطار إلى الجامعة !!
الدكتورة سعاد السلمي – كما علمت – هي قريبة للدكتور عبد الله عويقل السلمي رئيس النادي بجدة والمشارك حضورياً في هذا الملتقى الذي بادرناه وذوي الفقيدة (وهما على طاولة الإفطار) بالتعزية والدعاء للجميع. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، وقد نعاها الدكتور عبد اللَّه عويقل في تغريدة على حساب النادي الأدبي بجدة بتاريخ 25 أكتوبر قال فيها: “فاجاني قبل قليل نبا انتقال طالبتي سعاد خلف الوريكاني السلمي إلى رحمة الله كانت رحمها الله معنا في النادي مشرفة لرواق السرد بنادي جدة الأدبي، والبارحة أرسلت لي برنامج العام القادم، واليوم تغادر دنيانا الفانية !! رحمها الله وجبر مصاب أهلها وربط على قلب والديها”.
وجاء في خبر وفاتها – في حائل – أنها قادمة من جدة صباح الأمس الثلاثاء، ومع صلاة الفجر وصلت المطار واستقلت سيارة أجرة وفي الطريق فاجأتهم إحدى الشاحنات لتصدمهم من جهة الراكبة التي توفيت على الفور، أما السائق فقد أصيب إصابات بليغة ولكنهم نقلوه إلى المشفى !! رحم الله الفقيدة وأعان المصاب/ السائق على الاستشفاء والشفاء العاجل القريب.
كان خبراً محزناً – على أية حال – فانشغل دكتورنا عبد الله عويقل عن الملتقى بهذه الحادثة، والتي حاولوا فيها نقل الجثمان إلى جدة لدفنها هناك، ولكن الحالة كانت صعبة جداً، فأثروا دفنها في حائل، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
ولبشاعة الحادث، وألم الفراق للزميلة العزيزة والإحساس بالمصاب على نفسية الدكتور عبدالله عويقل وذوي المتوفاة أرسلت لهم هذه الرثائية:
المـــوت حق علينـــــا قد عرفنـــــــاه
في كل حين ينــادينـــا .. فتلقــــــــاه
يختــــار من كــــانت الأرواح منزلهــم
ومــــا جـزعنــا .. لأن الراحــــــــم الله
مـاتت (سعاد) بأرض الأكرمين ضحىً
فـــزاد فينـــــا الأســـى والعــالم اللَّه
رحم اللَّه الفقيدة الغالية، وأسكنها منازل الصديقين والشهداء وجعلها في الفردوس الأعلى وأثابكم أجر الصابرين والمحتسبين.
أخي د. عبد الله عويقل السلمي وذوي الفقيدة حائل، مساء الأربعاء: 1444/4/1هـ
*****
(9) ومن موائد الإفطار، إلى القاعة الخاصة بالجلسات العلمية التي توزعت على أربع جلسات علمية تحت محاور مختلفة على النحو التالي:
الجلسة الأولى: التطور التاريخي لصناعة القهوة.
الجلسة الثانية: القهوة السعودية الحاضر وآفاق المستقبل.
وهاتين الجلستين خصص لهما اليوم الأول الأربعاء 26 أكتوبر .
الجلسة الثالثة: أدب القهوة في المنجز الأدبي.
الجلسة الرابعة: القهوة وعلائقها المختلفة.
وقد خصص لهما اليوم الثاني الخميس 27 أكتوبر .
وفي كل جلسة من هذه الجلسات قدمت أربع أوراق عمل، ونوقشت وقومت من قبل الضيوف المتداخلين والمعلقين.
ولعلي أشير – في عجالة – إلى بعض مداخلاتي وتعليقاتي على الأوراق المقدمة وموضوعاتها المختلفة، ففي واحدة من أهم الأوراق البحثية أشرت إلى ثنائية البن والهيل وتلازمهما في جودة القهوة، وكمال مزاجها عند المتناولين وأشرت إلى مقولة شاعر شعبي في هذا السياق حيث يقول:
القهوة التي ما تبهر من الهيــل
مثل العجوز اللي خبيث نسمها
فرد عليَّ مدير الجلسة الدكتور فواز زايد الشمري مصححاً لهذه المقولة بأن عجز البيت فيه همز ولمز للأمهات والجدات العجائز ، وهذا لا يليق والأصح قول الشاعر:
القهوة التي ما تبهر من الهيـل
مثل الهزيل اللي قليل دسمها
وفي جلسة متأخرة – في جدة – زرت زميلنا الأستاذ أنس أبو داود في مدارس ثغر جدة الأهلية، وطلبت قهوة سعودية فاعتذر وضيفني بقهوة تركية!! ولما رأى إصراري على القهوة السعودية، أخذني لزيارة القسم المتوسط، حيث مديرها الأستاذ عايض شلوان السلمي الذي لا تخلو إدارته من القهوة السعودية، وضيقنا – جزاه الله خيراً – بدلةٍ فاخرة وقهوة ماتعة داعبت خلايا الدماغ، قهوة ذكرتني بأخي الأستاذ صالح السلمي وقهوته المميزة بنكهة (المسمار / القرنفل/ العويدي). قلت ذلك لزميلي ونحن نحتسي هذه القهوة وزدت عليها ذلك البيت الشعري الذي قلته في حائل !! فرد علي الأستاذ عايض السلمي مضيفاً ومصححاً أن لهذا البيت قصة بدوية معروفة في بني سليم وهي: أن شاعرين كبيرين من شعراء البادية واسميهما عجران السبيعي وفجحان المطيري وذات يوم زار الشاعر (عجران) صاحبه (فجحان) الذي جهز القهوة بلا هيل (لعدم توفره عنده) آنذاك، فقال عجران السبيعي هذين البيتين:
الدلة اللي ما تبهر من الهيـــــل
مثل الهزيل اللي قليل دسمهــا
ريحة زفرها في بطون الفناجيل
مثل العجـوز اللي خبيث نسمها
فرد عليه الشاعر (فجحان المطيري) ببيتين مماثلين:
حنـــا نحط الهيــــل ومفطح الحيــــل
ومـرة نخلي الموجبة من عدمهــــــا
عجوزك اللي ضارية في أطرف الليل
وش قربــك يا ضيـــف من ريح فمهــا
ذكريات تجرُّ ذكريات، ولما رجعت إلى الصديق المعرفي Google وجدت كلاماً كثيراً عن هذا الموضوع، وأهم ذلك ما ورد في جريدة الجزيرة السعودية تحت عنوان: قصة مثل (أسد يا أسد) نشرت في يوم الجمعة 18 ربيع الأول 1420هـ، للكاتب ناصر المسيميري من الرس، حيث تختتم هذه المحاورة الشعرية بقولة الشاعر عجران السبيعي لمضيفه فجحان المطيري (أسد يا أسد) أي اعتراف بأن صاحبه شاعر وكريم وأصيل !!
وفي مداخلتي على ورقة الدكتورة مريم العتيبي حول القهوة في كتابات الرحالة أشرت إلى إعجابي بالورقة التي تتقاطع مع ورقة الزميل الدكتور سعد الرفاعي وتتناص معها على مستوى العنوان وعلى مستوى الفكرة، فكلتا الورقتين تتحدثان عن القهوة في كتابات ومشاهدات الرحالة.
كما أشرت إلى جمالية الإشارة إلى الأسماء الرديفة للقهوة في تراثنا العربي ومجتمعنا السعودي مثل (الكيف، الطبخة المونسة، الشاذلية) ولأسماء فناجيل القهوة عندما تدور على الضيف فهناك:
فنجال الهيف: الذي يشربه صاحب القهوة للتأكد من صلاحيتها.
فنجال الضيف: وهو الصبة الأولى للضيف.
فنجال الكيف: وهو الفنجال الثاني للضيف ليعدل مزاجه.
فنجال السيف: وهو الفنجال الذي يؤكد العلاقة بين الضيف والمضيف.
وعند بعض القبائل: لابد أن يشرب الضيف ثلاثة فناجيل: الأول واحد، والثاني وحيد، والثالث لزم !! وهذه عادات وتقاليد عرفناها من معاشرتنا لأهل القهوة وعاشقيها (ضيفةٌ وضِيَافَة)!!
ومن الأوراق التي أثارت دهشتي وإعجابي واستثارت مداخلتي وتعليقي ورقة حسين بن هادي المالكي من منطقة جازان الذي تحدث عن زراعة البن الخولاني في جازان فشكرته على الورقة لأنها عن خبرة وتجربة وتطبيق، وليست عن دراسة وعلم نظري فقط فهو مزارع ومن كبار مزارعي البن في المنطقة. وسألته لماذا النسبة (خولاني) وليست (جازاني) مع إني أعرف أن قبيلة (خولان) في اليمن، كما أشرت إلى قيمة (القشر) – غلاف البن وانتشاره في المنطقة كلها كمشروب بدل (البن) الذي يصدر فقط. وكانت إجابته غاية في التمكن والإقناع بارك الله فيه وقد أفادنا بعلمه الغزير !!
وفي ورقة للدكتور فهد بن حامد الشمري عن القهوة حاضرها ومستقبلها، كانت تطبيقاً ميدانياً على عينة من طلاب منطقة سلمى في حائل عبر الاستبانات البحثية، وهو أسلوب منهجي/ بحثي علمي وموضوعي، جدير بالتبني شكرته عليه أسلوباً ونتائجاً !! ولكني أخذت عليه قلة عدد العينة المستجيبة لاستبانة الباحث واقتصارها على طلاب الثانوية، ولو توسعت على أنواع من فئات المجتمع اباء وأمهات وطلاب جامعة وثانوية شباباً وسيدات، لكانت الدراسة أكثر إمتاعاً وفائدة ولكانت النتائج أكثر جمالاً وواقعية.
كما أعجبتني ورقة الدكتور حمد العجمي من دولة الكويت التي كانت بعنوان / القهوة في الشعر (النبطي والفصيح) والتي أورد فيها الكثير من النصوص الشعرية التي تتغنى بالقهوة وتصفها بالمرأة/ الأنثى في الحسن والجمال والأثر النفسي والوجداني. وكذلك ورقة الدكتور محمد الغزاوي: القهوة في الآداب العالمية والتي أشار فيها أن القهوة كالحب قليله لا يكفي وكثير منه لا يشبع !! وهذه مقولة للشاعر الفلسطيني محمود درويش!!
ومن أجمل المداخلات التي استفدت منها ما قاله الدكتور نايف المهيلب تعليقاً على إحدى الورقات، أنه من العادات الجميلة والغريبة عند بعض القبائل قديماً، إذا جاء مجموعة من الضيوف ولا يعرف أكبرهم سناً أو قدراً ومقاماً ، وقد اعتادوا أن يبدأوا بضيافة المعروف منهم، فإذا احتاروا في الأمر عملوا لكل ضيف منهم دلة خاصة وقام كل صباب للقهوة بأخذ الدلة الخاصة لكل ضيف في وقت واحد، وهذا من زيادة الكرم!!
ومن أجمل المداخلات والتعليقات مشاركة الأستاذ الدكتور محمد الربيع الذي تتعلم منه الكثير، كالقدرة على الإيجاز، والالتزام بالوقت بكل دقة، والتركيز اللغوي والمعرفي وعدم الاستعراض الفلسفي، ومن مداخلاته القيمة دعوته للنادي الأدبي بحائل أن يستفيد من هذه الأوراق العلمية وتحويلها إلى موسوعة متكاملة عن أدبيات القهوة ورمزياتها، وإضافة بعض المباحث عن رمزية القهوة ودلالاتها في مناطقنا المختلفة، ولكل منطقة ثقافتها وأدبياتها حول القهوة ومداراتها.
وكذلك مشاركة الأستاذ ماجد المطلق، رئيس نادي الحدود الشمالية، الذي أفادنا بطرح ثقافي واع وجميل، فالعرب من حبهم للقهوة ومرادفاتها يسمون أبناء هم وبناتهم يكل الأسماء المتعلقة بالقهوة مثل (نجر ،محماس، عويدي، مسمار، ملقاط وغيرها)!! وأن القصائد الفصيحة ومعلقات الشعراء احتفت في مقدماتها بالحبيبة الأنثى، بينما الشعراء الشعبيين تحضر القهوة ودلالاتها في مطالع قصائدهم!!
وهكذا كانت الجلسات العلمية واحة معرفية فاتنة فيها الفوائد والمناقشات وأدبيات الحوار والإنصات والتفاعل الثقافي وهذا من مكاسب الملتقى الحاتمي الخاص بالقهوة السعودية موروث الماضي ورمز الحاضر ، واستثمار المستقبل كما هو عنوان الملتقى!!
*****
(10) لم يكتف المنظمون بالجلسات العلمية والمطارحات الفكر / أدبية، وإنما أردفوها ببرنامج مسائي مصاحب خفيف لطيف مفيد !! كان مرتعاً خصباً للراحة المعرفية والاستجمام الفكري !! فمنذ الساعة الرابعة عصراً وحتى الحادية عشر مساءً وخلال اليومين التي قضيناها في حائل احتضننتنا مزرعة العزيزية لأصحابها أبناء الشيخ علي بن محمد الجميعة (رحمه الله) التي تبعد عن حائل حوالي (ستين كيلومتراً)، وهي من أكبر المزارع في المنطقة وكانت لسمو الأمير مقرن بن عبد العزيز يوم كان أميراً لمنطقة حائل، ثم اشتراها الشيخ علي الجميعة، وفيها الآن أكثر من نصف مليون شجرة زيتون !!
زرناها عصر الأربعاء وتجولنا في مرافقها ومحتوياتها: (المطل، مصنع الزيتون، متحف ومختبر المزرعة، مكتبة الشيخ علي الجميعة وكتبه ومؤلفاته ومحفوظاته، كما زرنا نادي الطيران وفريق الدراجات النارية)!!
استمرت الزيارة والجولة حتى ساعة متأخرة من الليل ختمناها بالعشاء الفاخر، والعرضة النجدية والسامري الحائلي في ليلة جميلة ماتعة لا تتكرر، أكرمونا آل الجميعة بدماثة أخلاقهم، وطيب معشرهم وكرمهم الحاتمي، وهداياهم القيمة، فقد حملوا كل واحد من الضيوف الزائرين حقيبة فيها علبتين فاخرتين من زيت الزيتون المقطر في المصنع الذي زرناه عصر هذا اليوم فجزاهم الله خير الجزاء وبارك فيهم وعليهم ولهم إلى يوم الدين !!
وفي مساء الخميس عدنا لزيارة المزرعة، وأقام مضيفونا حفلاً خطابياً وشعرياً، وتم توزيع الشهادات والدروع للمشاركين في الملتقى، واستمعنا إلى قصائد ونصوص شعرية شارك فيها شاعرين جميلين من أبناء حائل وهما المنشد الجميل خضير الشمري، والشاعر الأنيق عيادة الجهيلي، اللذين حلقا بنا في فضاءات شعرية مائزة ورائعة، كما شارك الزملاء عبد الله الدريهم، وسعد الرفاعي، ونايف الرشدان، وصالح العوض، وأنا/ كاتب هذه السطور، بقصائد تغنت بحائل وأهلها وجمالها. ولعلِّي أوردها في ملحق خاص بالشعر في ختام هذه الورقة الرحلية!!
كما استمعنا لكلمة الدكتور عبداللَّه الحيدري نيابة عن ضيوف الملتقى أثنى فيها على دور الأندية الأدبية، وما تقوم به من حراك ثقافي وتنموي في الوقت الذي لا تقابله وزارة الثقافة وهيئاتها المختلفة إلا بشيء من الفتور وعدم الدعم والتفاعل للأسف الشديد.
ثم بدأت جولة ثانية من الشعر شارك فيها كل من صالح العمري، وحسن الزهراني والدكتور ظافر العمري. ثم وصلنا إلى أجمل فقرات هذه الأمسية الاحتفائية والتكريمية هي اللفتة الجميلة من الدكتور نايف المهبلب ونادي حائل إذ كرموا زميلهم رئيس نادي الجوف السابق (ثامر المحيسن) الذي توفي رحمه الله وحضر لاستلام هديته ابنه أحمد الذي استجاب للدعوة، وقدرها لأصحابها وشكرهم عليها، وأدرك قيمة الأدب في التقريب بين الأدباء والتقدير لبعضهم وذكر ماثرهم، رحم الله الفقيد وأصلح له الذرية، وشكراً لهذه اللفتة الكريمة من نادي حائل الأدبي ورئيسه الدكتور المفكر نايف المهيلب.
لقد لفت نظري، وأنا أتابع ردود الفعل الثقافية على هذا الملتقى عبر الإعلام الجديد، ما كتبه الدكتور نايف المهيلب في تغريدته المنشورة في 29 أكتوبر 2022م عن هذه الاستضافة المشكورة من أصحاب مزرعة العزيزية – الشريك الاستراتيجي – حيث قال:
“سلام على مهندس الاحتفاء، وتاج الأوفياء.. سلام على صاحب العقل الثريِّ والمال الجريء والقلب النقي، سعادة الأستاذ محمد بن علي الجميعة طيب الذكر، خالد الذكرى”.
وعلق على هذه التغريدة أسامة الطريقي، حيث كتب: “سلام على زيت الزيتون الذي أضاء حناجر الزائرين سلام على أغصان الزيتون الثلاثة (عبد الله علي، عبد الرحمن)، سلام على نادي الطيران الذي حلق بنا سمواً وسماءً، سلام على المطل، وهناك يقف البطل يوقد ناره الحاتمية (الموقدة)، سلام على العزيزية العزيزة بأهلها وأرضها وسمائها”.
ومن وحي هذه التغريدات قلت لـ (حائل وآل الجميعة) هذه المقطوعة الشعرية:
سلام على أرضك الطيبة….
على أهلك الخيرين..
وآل (الجميعة) أجمعين !!
هم الناس .. أنساً وطيباً..
وهـــم أكــــــرم الباذلـن..
عليهـم سلامـــي ضحى..
وفـــي كـــــل آنٍ وحيـــن
ويا نفس قولـــــي لهــم:
سمـــوتم (بنـــا) للعـــــلا
وأصعــــدتمونـــا الأفـــق..
وكنتم لنا الأهل.. والــدار..
والأنــس .. والمنــطلـق !!
جدة ظهر الثلاثاء
1444/6/24 هـ
*****
(11) وانتهت السهرة في مزارع العزيزية وبرنامجها المصاحب، وها نحن في حافلة العودة إلى الفندق لتدور الحوارات والمناقشات ثنائية وجماعية. ومن أبرز المناقشات تلك القضية التي أثارها الدكتور سعد الرفاعي حول الصحابي الجيل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وشاركه الحوار الدكتور ظافر العمري والدكتور صالح أبو عراد، والدكتور محمد بودي !! وكان حواراً مثرياً ماتعاً ولم يخل من المناكفة والانتصار للذات والهوى والنفس، وتسفيه الرأي المخالف !! وهذا ليس من صفات المتحاورين الباحثين عن الحق وجلاء الأمور الغامضة!!
وصلنا إلى الفندق ودعينا إلى سهرة القهوة السويلمية/ نسبة للدكتور حمد السويلم حيث التام شمل الأحبة والزملاء: (محمد بودي محمد الربيع، ظافر العمري، شريف قوعيش من الجزائر، نايف المهيلب صالح الحسيني، ناصر الحميدي، صالح العوضي صالح العمري، أحمد النزاوي، نايف الرشدان، يوسف العارف).
ودارت القهوة على يد مضيفنا الدكتور حمد السويلم، وبدأت الحوارات والمناقشات في موضوعات شتى ابن تيمية ومحمد أركون والمذهب الأشعري، والفلسفة وكل يدلي بدلوه، ويقول رأيه.
أما حبيبنا نايف الرشدان، فأثار قضية الجمال الأنثوي في الجزائر ليستفز حفيظة الضيف الجزائري الدكتور شريف ،قوعيش، الذي دعانا لزيارة الجزائر، والاستمتاع بجمال أرضها وطبيعتها والتعرف على أهلها وكرم الضيافة ومعالم السياحة والإرث الحضاري والاجتماعي !!
لقد كانت هذه السهرة ختامية/ ووداعية فغداً الجمعة سيسافر الجميع، وينفض السامر عن ذكريات خالدة، وأماس فاتنة، حققها لنا هذا اللتقى الحاتمي والقهوة السعودية، فشكراً لمضيفنا نايف المهيلب وزملائه الأكارم!!
*****
(12) ولم تخل هذه الفعالية وجمالياتها من الطرائف والمتع الجانبية – على الأقل من وجهة نظري وأنا أكتب هذه الذكريات الرحلية – ومنها أننا قد تعودنا – وفي كل ملتقياتنا- على قهوة الدكتور حمد السويلم وجَمْعَتُه المباركة مساء كل يوم وصباحه، على ضيافة حافلة بالقهوة والسكري القصيمي، والكليجا المعتبرة، وقد استحق على ذلك تميزاً وتفرداً وذكراً حسناً!!
أما في هذا الملتقى فقد بدأ المنافسون فشهدنا قهوة للأستاذ الشاعر صالح العوض – وكان رفيق حمد السويلم – ولكنه هذه المرة أراد المنافسة فافتتح مقهاه الخاص واستضافنا فيه مساءً وصباحاً وتوزع القوم بين المقهيين، كما شهدنا مقهى ثالثاً للدكتور محمد بودي الذي فتح غرفته واستضاف بعضنا في سهرة ماتعة تحدثت عنها في أول المقال. وكل هذا إضافة وتنوع لكن تظل نكهة القهوة (الحمد/ سويلمية) هي الأصل والمبتغى !!
ومن اللطائف والطرائف في هذا الملتقى أننا تكاكانا على مطعم الفندق ظهيرة يوم الثلاثاء ولم نجد البوفيه المعد للغداء، وأسقط في أيدينا، ورحنا نضرب كفاً بكف!! وننادي على المسؤولين في الفندق، حتى استجابوا لتجهيز غداء مفرد لكل شخص حسب طلبه ورغبته، وتكاثرت الطلبات وقلت الاستجابات، فمنا من جاءه طلبه، ومنا من تأخر، ومنا من أجل الغداء لوجبة العشاء بعد حفل الافتتاح !!
ومن تلك اللطائف الموقف الكوميدي الذي أطلقه الأخ الحبيب محمد المشوح صاحب التلوثية الشهيرة في الرياض وهو رجل ذو سمت وأناقة، ودماثة أخلاق ورشاقة، وحديثه درر ولباقة!! فقد قال لي ولبعض الأصدقاء أنه اكتشف في ميزة: قلما توجد لدى الآخرين، وهي أنني أملك من الحيل القولية والأسلوبية ما أستطيع بها إقناع منظمي الملتقيات بأنني سأشارك شعرياً فقط ببيتين من الشعر، وإذا أعطيت الفرصة قلت البيتين من الجوال/ المحمول، ثم أخرجت الورقة وفيها مطولة وحولية لألقيها ولا أهتم بالمنظمين أو السامعين !!
قال ذلك بحركة كوميدية ومبالغ فيها، ليضحك السامعين، وكررها أكثر من مرة وفي أكثر من موقف فقرأت ما وراء السطور، وأدركت الرسالة الضمنية التي تحملها هذه الفكرة لعلي أستفيد منها فلي قادم الأيام، فشكراً لأخي محمد المشوح الذي أكن له كل تقدير !!
من هذا الموقف تذكرت أنني تعلمت من مدرسة الحياة، ومن البرامج التدريبية التي شاركت فيها، ومن العلوم والمعارف التي استقصيها في تطوير الذات ومعرفة الذات، أن الإنسان الواعي يعرف نفسه وذاته الحقيقية من مصدرين:
– ما تراه أنت بنفسك عن نفسك وذاتك.
– وما يراه الآخرون ما تحمله أفكارهم وتصوراتهم عنك.
عبر هذين المصدرين تكون أنت وتكون ذاتك الحقيقية، فالناس شهود الله في أرضه!!
وتعلمت أشياء كثيرة ومنها مقولة هامة لبث الثقة في النفس والراحة للضمير وهي: إذا رأيت الناس يقذفونك من الخلف فاعلم أنك في المقدمة !!
ومما تعلمته في حياتي أن الناس – وخاصة المثقفين وأصحاب الكلمة – يحملون في أذهانهم أفكاراً إيجابية أو سلبية وتغيب في ثنايا الذاكرة أو الوعي الخفي والعقل الباطن وإذا وجدت المثيرات تخرج في هيئة رسائل أو توجيهات، ولإيصالها للآخرين يستخدمون أحد الأساليب الثلاثة:
– إما المواجهة والتعبير بصراحة ودون مواربة.
-وإما التلميح دون التصريح.
– وإما اصطناع الدعابة والمزاح والنكتة، وتضمينها الرسائل الموجهة!!
ولعل أخي محمد المشوح اختار الطريقة الثالثة، وكان قادراً على الطريقة الأولى وأنا – يعلم الله – سريع الاستجابة دون تعالي أو فوقية، فرحم الله امرة أهدى إلي عيوبي !!
ومن اللطائف والطرائف التي حصلت في هذه الجولة الرحلية، هي ما حصل في دار مضيفنا الشيخ محمد الجميعة مساء يوم الخميس، فقد شرفني الزملاء بإمامتهم لصلاتي المغرب والعشاء، وسارت الأمور على ما يرام.. إلا أنني في الركعة الثانية من صلاة العشاء قرأت ثلاث سوء قصار وهي (الإخلاص والفلق والناس)، فما إن أتممت الصلاة وسلمت بالمأمومين حتى سمعت همساً وجدلاً فسمعت أخي الشاعر صالح العوض يقول: (لو أتبعت هذه السور الثلاث بسورة البقرة)!! وقال أخي الشاعر عبدالله الدريهم مستنكراً على أي مذهب قرأت هذه السور الثلاث ولم تكتف بواحدة!؟ ودخل في جدل لا ينتهي تدخل على إثره الزميل الشاعر الأستاذ ماجد الجهني قائلاً أليس هذا بقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤم القوم بالسورة والسورتين والثلاث وفي الفريضة أيضاً !! وقبل الاعتراض اسأل أهل العلم والشرع !! وأنا أحلت أخي الدريهم إلى فتاوى كبار العلماء وأنه لا بأس في ذلك!!
على أية حال هذه صور من اللطائف والطرائف – على الأقل – من وجهة نظري ككاتب وراصد وموثق لمجريات هذه الرحلة الثقافية الماتعة بكل ما فيها.
ولعل من ألطف اللطائف والطرائف المفيدة، هي تعرفي على ضيوف الملتقى من أشقائنا في دول الخليج، فعرفت الدكتور فهد الشمري من الكويت، الذي تحدثت عنه وعرفت به في أول الورقة. وعرفت الدكتور حمد عبيد العجمي من الكويت أيضاً، وهو أستاذ مشارك في جامعة الكويت، وعضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية وأدابها، مهتم بقضايا الشعر الشعبي / النَّبطي وله بحث جميل نشر في مجلة دراسات الخليج عن القهوة في الشعر النبطي.. شاب عاشق للحياة، مثقف وديع من عينيه تشع البراءة والعلم والمعرفة. قرأت له تغريدة تدل على تكوينه النفسي والفكري يقول فيها: ما أجمل المناصحة اللطيفة الصادقة التي تدل على حسن نية صاحبها لها تأثير أكبر من التعنت والمشادات !!
وعرفت الأخ الكاتب الصحفي القطري يوسف الحرمي أحد ضيوف الملتقى والمشاركين فيه حضوراً واستفادة بروحه المرحة ومداخلاته اللطيفة وحضوره التشاركي. كما عرفت الدكتور شريف قوعيش من الجزائر وهو أكاديمي جامعي وأستاذ بجامعة مستغانم بالجزائر، في قسم الدراسات التاريخية، له جهود كبيرة ومشاركات في الملتقيات الوطنية بالجزائر والخارجية في أنحاء المعمورة. شاركنا السهرة الخامية في قهوة الدكتور حمد السويلم، ودار الحوار حول جمال الجزائر وأهلها وطبيعتها، مع الشاعر الدكتور نايف الرشدان كما أسلفنا من قبل !!
كما تشرفت أخيراً بمعرفة الأستاذ عبد الحق الطيب هقي، الشاب الجزائري المنتمي وظيفياً لشركة (مراسم الإبداع) التي أشرفت على تنظيم ملتقى حاتم الطائي الخامس عن القهوة، عرف نفسه في تويتر بقوله: عابر للأوطان المزيفة، يسكن القلوب، يعشق الحرية ويعلي الفكر ، باحث وكاتب إعلامي شاب ،خلوق ،متعاون قادر على بناء علاقات إنسانية متميزة واضح الإخلاص والتفاني في إنجاز عمله بكل إتقان.
وهكذا مضت أيام الملتقى بين متن وهامش متن ازدان بالجلسات العلمية والمنافشات المعرفية وهامش تنامى بالزيارات واللقاءات والسهرات والثنائيات والتعارفات، فكانت متناً استثنائياً ينضاف إلى المتن الأساس!! فشكراً لكل الجمال الذي صنعه الدكتور نايف المهيلب ورفاقه منسوبو النادي الأدبي بحائل!!
*****
(12) وحان يوم الجمعة .. يوم السفر والمغادرة وكان لابد من جولة تسوقية لشراء بعض الهدايا، برفقة الزميل الدكتور ناصر الحميدي، وقد بدأناها بصلاة الجمعة في جامع الراجحي وهو معلم ديني بارز في حائل على الطراز التركي/ العثماني بمناراته الأربعة وقبابه المتعددة (حوالي 56 قبة) يذكرنا بأيا صوفيا في استانبول. وهو تحفة عالمية يجمع بين الأصالة والحداثة ويتسع لـ (7000 مصل) وقد افتتح في العام 2011م.
وبعد الصلاة انتقلنا إلى سوق التمور الشعبي وسوق السيدات/ النساء لنتبضع ونتسوق بعض الهدايا التي تذكرنا بحائل وأهلها وأسواقها وبعد ذلك عدنا إلى الفندق مودعين زملائنا الباقين ومضيفينا المتواجدين في الفندق، لنضع هناك عيناً على جدة التي ستصلها بعد حين وعيناً على حائل وأهلها الأكرمين، والملتقى الذي جعل من الذكريات مذاقاً، والأماسي حكايا، والأصبوحات حياة وماء فراناً !!
ولعلي أختم هذه الأوراق الرحلية بجزء من النص الشعري الذي تشرفت بإلقائه في الأمسية الشعرية بدارة الجميعة في مزرعة العزيزية، ليلة الخميس ومما قلت فيها:
“ويا حائل الخير
يـا بعد حبٍّـــــــي..
جئنـــاكِ حفــــــــاة…
إلا من الحُبِّ.. والشَّوق…
جئنا ملبِّين دعوة أحباب لنا …
هم شماريخٌ تساموا.. وارتقوا…..
فـــــي مــــــــداريج السَّنــا..
فاستحقوا مداد الفـــؤاد ..
وقلباً تنامى على الحب.
حتى أتى مذعِنا !!”.
ختام:
وهكذا قضيناها أياماً أربعة بين علم ومعرفة، وصداقات وإخاء، وجولات وحوارات أفدنا من جلساتها العلمية واستأنسنا بطروحاتها الفكرية، وتعرفنا على حائل البهية وارتحنا في مزارع العزيزية ومن كل ذلك الجمال والإبداع، ولدت هذه الإضمامة الرحلية، رصداً للفعاليات، وتوثيقاً للمعطيات وصدى مكتوباً على مر السنوات!!
ولأخي الدكتور نايف المهيلب وزملائه في النادي الأدبي أختتم بهذه الأبيات:
ويــــــــا نــايف المهيــلب…
أيــا (حـــــاتم) هذا اللقاء…
عهدنـــاك مورقاً كالصباح…
وعشنــــــاك مــــاءٌ قـراحٍ…
وغيــــمتـــاً هتــــــونتــــاً…
على واحــــة من أقـــاح…
….
أيهـا المُشْربُ طعم الكــرم
والمتوضــي بمـــــاء الفـلك
سمـــاءٌ لنا.. وسمــاواتُ لك
بنيت صروح المعـالي نــدى
وجــــاوزت كــلَّ الشَّــــرَكْ!!
إليــــك التحيــــة مقـــرونـة
بمـــــــــاء الفــــــــــــــواد…
ودمعـــــــــاً ســــــــــــلك !!
وإلى لقاء رحليّ ،قادم ومتجدد إن شاء الله.. في ربوع بلادنا الغالية !!
والحمد لله رب العالمين…
الدكتور: يوسف حسن العارف
جدة – مساء الثلاثاء
1444/6/24هـ
والمراجعات: 1444/7/3هـ
مقالات سابقة للكاتب