عودة الحنين

وقت وجيز يفصلنا عن أعظم شهر وأروع أيام وساعات، إنه شهر رمضان..
قال تعالى:
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَان }
في هذا الشهر العظيم تسطر أقلام ذكرياتنا أجمل لحظات، ونشعر بجمال الذكريات حينما يعاودنا الحنين ونعود معه وقد أشرق في داخلنا جمال الذكرى ، ومهما بدت تلك الذكريات بسيطة إلا أنها تعني الكثير والكثير ، بعض الذكريات حنين للمكان، وبعضها الآخر حنين لأصحاب المكان، وهناك حنين مختلف في هذا الشهر المختلف.

الشعوب الإسلامية مهما بدت للآخرين مختلفةً إلا أنها تشترك جميعها في بعض العادات والتقاليد، منبعها واحد، ومصبها واحد.

الدين الإسلامي جمعنا على شريعة واحدة، وهدي محمد عليه الصلاة والسلام واحد ، وحين ندرك اجتماع الشعوب الإسلامية على هدي نبوي واحد، ندرك معه أننا نتجه في سلوكنا ومعظم عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا نحو نفس البوصلة.

إن بوصلة الحنين في هذه الأيام تتجه بنا نحو قريب هو أولى بالمعروف، وجار اختص بالوصية، وخيرية اختص بها من كان خيره للناس.
وقبل ذلك كله ( خيركم، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )
فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
دعونا نقف على مشارف الحنين ونستلهم من الذكريات أجمل وقود لأيام قادمة..
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:
( يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ.)
إذا كنا قد أمرنا بتعاهد الجيران أليس من الأولى أن يكون الأقربون أولى بالمعروف؟؟
بلى..
خاصة إذا كان الأمر يتعلق بدين وعبادة تنجي من عذاب النار..
قال تعالى:
{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }

لصلاة التراويح حنين مختلف، ومن تعلق قلبه بالمساجد والصلاة، وصلاة التراويح في رمضان يدرك أثر ذلك على الفرد والمجتمع.
في رمضان…
أوقات تعبق بذكر الله
تلاوة قرآن وصلاة واستغفار وتسبيح، جميعها تضفي على مشاعر المسلمين طمأنينة، وتشعرهم بسعادة داخلية، وتدفعهم لسلوك قويم.
عودة الحنين أيها الفضلاء تتمثل في تفقد الأقارب والجيران..
في التشارك معهم في تفاصيل اليوم الجميلة، تصبيح وتمسية عند ملاقاتهم.
دعاء لهم عند الفطر، وتذكيرًا بسنن الدين طلبًا للأجر..
إذا كان الأقربون أولى بالمعروف فللجيران حق معروف أوصى به رسول الهدى، عليه أفضل الصلاة والتسليم حين قال:
( ما زال جبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنه سيورِّثُه )
إن معاني الإسلام الجميلة تتأكد في كل وقت ولاسيما أوقات الطاعات، وقد ذكر الشيخ السعدي-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:
{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } والتذكير نوعان: تذكير بما لم يعرف تفصيله، مما عرف مجمله بالفطر والعقول فإن الله فطر العقول على محبة الخير وإيثاره، وكراهة الشر والزهد فيه، وشرعه موافق لذلك، فكل أمر ونهي من الشرع، فإنه من التذكير، وتمام التذكير، أن يذكر ما في المأمور به ، من الخير والحسن والمصالح، وما في المنهي عنه، من المضار.

والنوع الثاني من التذكير: تذكير بما هو معلوم للمؤمنين، ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول، فيذكرون بذلك، ويكرر عليهم ليرسخ في أذهانهم، وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه، من ذلك، وليحدث لهم نشاطًا وهمة، توجب لهم الانتفاع والارتفاع.

وأخبر الله أن الذكرى تنفع المؤمنين، لأن ما معهم من الإيمان والخشية والإنابة، واتباع رضوان الله، يوجب لهم أن تنفع فيهم الذكرى، وتقع الموعظة منهم موقعها كما قال تعالى: { فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى }

وأما من ليس له معه إيمان ولا استعداد لقبول التذكير، فهذا لا ينفع تذكيره، بمنزلة الأرض السبخة، التي لا يفيدها المطر شيئًا، وهؤلاء الصنف، لو جاءتهم كل آية، لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.)
المؤمنون في مواقف الحياة، ومواسم الطاعات بنيان يشد بعضهم بعضًا :

إذا عاد الحنين ففي فؤادي
لكم يا صحبُ منزلة وذكرى

وبنيان الأخوّة قد تسامى
بقلب بات للخيرات يسعى

قال عليه الصلاة والسلام:
( والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حتَّى يُحِبَّ لِجارِهِ (أَوْ قالَ: لأَخِيهِ) ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.)

فاطمة بنت إبراهيم السلمان

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *