هل بمقدور الزمن أنْ يُرمّمَّ صَدْعاً، ويُشْفِي جرحاً طال أمَده؟
وهل في وسعه أنْ يُمدَّنا بقلبٍ قد صَحَّ من اعتلالٍ اقتات على أنياطه سنواتٍ عديدة؟
وهل في مقدوره أنْ يَجمعَ شمل عقلٍ وقلبٍ افترقا، وبان فراقهما لأكثر من عشر سنوات؟
وهل لنا بزمنٍ بإمكانه أنْ يشق لهما سبيلاً من الحُبِّ والوئام يسيران فيهما وكأنَّه ممر ليلة عمر؟
تتهاطل غيماتُ الأسئلة مُكوُّنةً بحيرةً مِنْ قطرات الصدق والشك، والدهشة والذهول، والبعد والقرب في حالةٍ إنسانيةٍ تترقبُ عودة اللا ممكن عبر مَنّفذ فَنّ المُمكن من أجل إنعاش صبيّةٍ فاتنة عاشتْ في فؤاد تلك العلاقة ثمانية عشر عاماً.
في الحياة كُلّ الاحتمالات واردة، فلا علاقة دائمة، ولا قطيعة مستمرة، لكن يظلُّ هناك ثَمَّةَ لحنٍ شجيٍّ يعزُّ بنفسه عن محاولة استرداده، ويَصُعبُ مع مُضي كُلّ هذه السنوات استعادة تلك التفاصيل اللّذيذة التي كانت تسكن تجاويف الروح، وستظل عَصَيّةً حتى عند محاولة استنساخ لمواقف البهجة والسعادة التي جمعت طرفي تلك العلاقة.
وبِنَاءً على ذلك؛ فإننا أمام تجربة فنية في ظاهرها، وإنسانية في أعمق تفاصيلها.
إنَّ الوعي الإنساني يمكنه أنْ يمنحنا القدرة على امتلاك ما عَزَبَ مِنْ زماننا عبر أربعة منافذ:
الأول:
إنَّ العلاقات عرضة للهزات والانخفاض، لكن علينا أنْ نبني رصيداً من الحُبِّ والاحترام والاهتمام؛ ليمنح تلك العلاقات الجسارةَ النَّفسية والقوة العظيمة لتجاوز ما تتعرّض له أثناء رحلتها في الحياة.
الثاني:
أنَّ كل ما يحدث لنا خير حتى وإنْ ظهر لنا خلاف ذلك.
فالله عَزَّ وجلّ لطيف بعباده، ولعلَّ قصور فهْمنا لعمق هذا المعنى دورٌ كبيرٌ في اجترار التَّذمُّر، واستجلاب السُّخط من أقدارنا.
فعند بلوغنا لذلك المعنى؛ ندرك أنَّ منحة ربانية جُلبتْ إلينا في ثياب محنةٍ من صنع البشر.
وفي هذا ما يمنح قلوبنا السكينةَ والسلام، ويتغشّى أيامنا لطف الله وسعة رحمته.
الثالث:
أحياناً الاكتفاء بما تحصَّلنا عليه من ثمراتٍ يانعة من علاقاتنا الإنسانية هو أفضل الحلول لمداواة قلوبنا المكلومة.
ذلك أنَّ العَنَت ومحاولة عودة المطايا بعد بلوغها وجهتها يُعدُّ ضرباً من طلب المحال؛ فكل ما سيأتي من بعد محاولة عودة العلاقات يكون استرقاقاً لذلك اللحن الشجي، ووضع صاعاً من ذكريات جميلة في متاع أيامنا.
الرابع:
إنَّ الحياة لا تتوقف على أمرٍ بعينه، فكينونتها الحركة والجريان، وعلينا أنْ نسّتلّهِم منها هذا المعنى، ولنكن في حالة تَدفُّق من الاستجابة الواعية القارِئة بعقلٍ مُشّرع وقلبٍ رشيد لكل متغيرات الحياة.
وحتى نكون أكثر استيعاباً لهذه المنافذ الأربع؛ علينا أن نمنح مشاعرنا مساحةً للتعبير عن نفسها،وعدم محاولة كبتها وفرض السيطرة عليها بداعي أننا أقوياء، وأن الحزن لا يحسن لمثلنا.
فنحن نحتاج وقتاً كافياً، ومساحةً كافية؛ لاستيعاب أي حدث مؤلم، وسنجد بعد فترة من الزمن أننا قد بدأنا في التشافي والتحرُّر من كتلة الألم.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي