(5) ولم تكن الجلسات العلمية هي الفعالية الوحيدة التي تجمَّل بها هذا الملتقى، وإنما كان للمجتمع القصيمي دور في إنجاح هذه الفعالية من خلال الاستضافات المسائية واللقاءات التعارفية في أكثر من ديوانية أو مزرعة أو مخيمات صحراوية.
ففي مساء اليوم الأول الأربعاء كانت ضيافتنا في ديوانية الأستاذ عبدالعزيز الحميد الذي استقبلنا بحفاوة بالغة مع فرقة السامري التي رحبت بالضيوف بعرضتها وألحانها وأهازيجها القرائحية وأضفى علينا المزيد من عبارات الترحيب واللطف والحفاوة. وبعد تناول وجبة العشاء بدأت السهرة الشعرية والأحاديث الأدبية والمجاملات التعبيرية، ثم غادرنا المكان بمثل ما تم استقبالنا بالعرضة الوداعية، فجزى الله الشيخ عبدالعزيز الحميد خير الجزاء على هذه الاستضافة غير المستغربة!!
وفي ظهر اليوم الثاني الخميس كانت الاستضافة في ديوانية الوجيه عبدالله بن صالح الشريدة وهو من أعيان أهالي بريدة ورجل أعمال بارز وله إسهامات في الأعمال الخيرية، وقد دارت الأحاديث والكلمات والقصائد والأشعار في أجواء حميمية وأخوية. والجميل هنا في هذه الجلسة وجود وفد من دولة الكويت شاركونا هذه الاستضافة الماتعة فشكراً لآل الشريدة وعميد الأسرة الوجيه عبدالله بن صالح الشريدة.
ثم كانت الاستضافة الثالثة مساء يوم الخميس في مزرعة مشرفة للدكتور المحامي/ محمد المشوح صاحب الثلوثية الثقافية المعروفة بمدينة الرياض، ولكنه من أهالي بريدة وله الكثير من الإسهامات المعرفية والعلمية والاجتماعية. وما هذه الديوانية – في بريدة – إلا مركز إشعاع وإثراء وتنوير علمي ومعرفي.
وقد تجلت في هذه الأمسية روح الدكتور محمد المشوح في القدرة على إدارة الأمسية وتوزيع الأدوار على المتحدثين من شعراء وأدباء وكانت على فترتين قبيل العشاء وبعده استمعنا فيها إلى قصائد من الدكتور سعد الرفاعي والشاعر عبدالله الدريهم وأنا/ يوسف العارف، والشاعر الدكتور أحمد اللهيب والشاعر الأستاذ محمد الضالع، والراوية الدكتور سالم البلوي، والدكتور زياد الدريس والذي ألقى قصيدة لوالده الشاعر والأديب عبدالله بن إدريس قالها (عن بريدة) عام 1414هـ وأثناء زيارته للقصيم، وكذلك ألقى الأستاذ ماجد بن ناصر العمري قصيدة لوالده يمتدح فيها بريدة وأهلها الكرام.
كانت ليلة ماتعة وأمسية فارهة زادها ألقاً وبهاءً ابن بريدة البار الدكتور محمد المشوح الذي أضفى على هذه الأمسية الكثير من ظرفه ولطفه وتعليقاته، واختياراته للمتحدثين وإدارة الحوار بطريقة إيجابية فيها سلاسة ومقبولية فشكراً كل الشكر لمضيفنا الدكتور محمد المشوح الذي هيأ لنا ولضيوف ملتقى نادي القصيم الأدبي هذه الأمسية الأخوية والحميمية والثقافية بامتياز.
وفي ظهيرة الجمعة كانت استضافتنا في مزرعة الشيخ أحمد بن عبدالله التويجري صاحب وعميد ثلوثية أحمد التويجري، رجل الأعمال المعروف وصاحب المرزعة والمحمية الواقعة في طريق القصيم حايل شمال بريدة حيث المزرعة التي تبلغ مساحتها 9×9 كيلومتراً (كما قال مضيبفنا) وحيث مزايين الإبل ونفائسها، ومنقية (المناهل) المغاتير وجوهر الصفر، والشقح، والفحول المنتجة مثل: شرهان عوني/ مرعب/ عليان/ مروع/ الشيخ/ ونقان، الخليقة/ البارز، وهذا يدل على اهتمامات الشيخ أحمد التويجري بالإبل واقتصادياتها وعنها يقول: إن الإبل [عديلة روح ومتعة وهواية وتراث ومحبة].
وبعد جولة قس المزرعة ومشاهدة الإبل والتعرف على فضائلها والاستماع إلى الكلمات الترحيبية والقصائد الشعرية انتقلنا إلى موائد الغداء في أجواء شاعرية حيث الغيم والخضرة والوجوه الحسنة من ضيوف الشيخ أحمد بن عبدالله التويجري. وهناك التقيت بالأستاذ صالح عبدالله التويجري الأخ الأوسط لمضيفنا وكان مديراً لتعليم القصيم وتحادثنا في أمور التربية والتعليم وذكرياته مع مديري تعليم جدة عبدالله الثقفي (رحمه الله) وعبدالله الهويمل، وسليمان الزايدي واللقاءات الدورية التي يعقدونها في مكة المكرمة سنوياً وفي بعض مناطق المملكة حيث تضم مجموعة من مديري التعليم السابقين.
كانت ظهيرة رائعة، مفيدة غنية بالمعارف والسياحة في جزء غال من بلادنا ومع رجل كريم جواد من رجالات بريدة فجزاه الله عنا خير الجزاء.
وجاءت المضافة الأخيرة ظهيرة يوم السبت ومسائه حيث ارتحل من بقي من ضيوف النادي إلى مخيم الدكتور حمد السويلم في صحراء (الأسياح) خارج بريدة. وللأسف لم نكن معهم/ أنا وزميلي الدكتور (سعد الرفاعي) حيث كان سفرنا إلى جدة ظهر هذا اليوم السبت فاعتذرنا من مضيفنا وقبل عذبرنا. فجزاه الله خير الجزاء على كل ما قدم طوال الأيام الأربعة السابقة من حفاوة وضيافة وحسن تنظيم أدت إلى إنجاح ملتقى نادي القصيم الأدبي عن السيرة الذاتية وأخواتها.
(6) وكان الحضور الشعري فارهاً ومتنوعاً خارج الجلسات العلمية، ففي مجالس الوجهاء واستضافات المجتمع القصيمي تجلت قرائح الشعراء وذهنياتهم الحافظة عن مخزون شعري بين الفصيح والمحكي عبر اللهجة الدارجة/ شعبي/ نبطي. وكان الدكتور سالم البلوي صاحب مجلس وادي القرى الثقافي بمحافظة العلا حاضراً شعراً ورواية وذاكرة. وكذلك الدكتور فواز الشمري الذي أمتعنا بحضوره السردي/ المجتمعي وقصص البادية من شمر وعنزة وغيرهم من البدوان. كما تجلى الشاعر الدكتور أحمد اللهيب والشاعر محمد الضالع بقصائدهما الإخوانية والحميمية وخاصة في مجلس الدكتور محمد المشوح!!
كما تجلى الزميل الدكتور سعد الرفاعي بقصائد المناسباتية القصيرة التي يرتجلها في كل مجلس فتارة عبر الكسرة الينبعاوية وهي باللغة الدارجة/ الشعبية/ الينبعاوية، وتارة باللغة الفصحى فاستمتعنا بقصائده في مجلس الشريدة، ومجلس المشوح وفي جلسات الفندق المسائية. وكذلك أمتعنا الشاعر عبدالله الدريهم بقصيدته في مجلس الدكتور محمد المشوح.
وإن أنس فلن أنس (أنا) ذات ليلة شعرية ضمت الشعراء الدكتور ظافر العمري والشاعر سعد الرفاعي والشاعر الأستاذ محمد الضالع والناقد الدكتور مسعد العطوي والإعلامي نبيل زارع في بهو الفندق مساء الجمعة 11/8/1444هـ حيث تقاطر الشعر من ذاكرة الشاعر محمد الضالع نقياً عمودياً يتقاطع فيه مع فخريات المتنبي وحكمه وروائعه الشعرية وكذلك الشاعر سعد الرفاعي.. ولما التحقت بالمجموعة أسمعتهم النَّص الشعري الجديد الذي ولد صباح اليوم الجمعة وأنا في جولة رياضية بعد صلاة الفجر ومنه المقطع التالي:
كيف لي…
أن أبذر في هذا الصبح/ الموبوء
بشارة فأل…
ويقين؟!
أستمطر هذا الغيث/ المتثائب
حُبّـــــــاً
وحنين؟!
أستعذب هذا الماء/ المتعكر..
وأطوف على ردهات
السبعين؟!
…. إلخ النص التفعيلي المكون من سبعة مقاطع ثم دارت حوله أمسية نقدية/ حوارية شارك فيها الدكتور مسعد العطوي والدكتور ظافر العمري والدكتور سعد الرفاعي ومحمد الضالع الذين أجمعوا على أن النَّص الشعري لا يرقى للشعرية وإن حمل بعض الملامح الجمالية!! ودخلت معهم في حوار نقدي حول نظرية التلقي والقصدية والذاكرة الشعرية المسيطرة عبر الشعر العمودي والإرث الشعري القديم، وجناية الشعر العمودي على الآليات الذهنية لاستقبال الشعر الحديث أو شعر التفعيلة، ومحاكمة النص الشعري بذاكرة نقدية تراثية!!
ورغم كل ذلك فقد كانت أمسية – على صغرها وقلة المشاركين فيها – ماتعة/ مفيدة لي على المستوى الشخصي والبناء الذاتي، ومثيرة للحس النقدي والجمالي، ويكفي أنَّها أصبحت أيقونة للتحاور والجدال النقدي امتد أثرها حتى صباح اليوم التالي صباح السبت حيث اجتمعنا على مائدة الإفطار والتقينا بالدكتور محمد الربيع والدكتور عبدالله الحيدري والدكتور مسعد العطوي والدكتور سعد الرفاعي وتذاكرنا في تلك الأمسية الشعر/نقدية فكانت زينة الجلسة الصباحية!!
وهكذا هو الشعر الحديث، والنص الشعري الحداثي المثير للأسئلة، والتفكير، الذي لا يصل إلى المتلقي بسهولة لأنه لا يعطي المعاني والدلالات، لأول سماع أو قراءة، وإنما يحتاج إلى التدبر والتأويل وهذا ما أحدثته القراءة الثانية للنص والحوار النقدي.
(7) وها نحن نطوي سجل الأيام الجميلة التي عشناها في بريدة/ القصيم، ونتصفح (السنابات) والتغريدات (التويترية)، ومواقع التواصل الاجتماعية، فنجد صدى هذه الزيارة/ الرحلة، ونلقى الكلمات والإشادات والإشارات الجميلة عن ملتقى السيرة الذاتية وضيوف الملتقى، وفعالياته العلمية والاجتماعية والثقافية، وكلها تؤكد على ما قام به الدكتور حمد السويلم وزملاؤه في مجلس إدارة النادي من تنظيم وحسن استقبال، وجمال روح، وفعاليات مجتمعية راقية، أورثت فيَّ هذه الرغبة في التدوين والتوثيق والنشر!!
ولعل ما نشره حبيبنا الدكتور عبدالله الحيدري في مجلة اليمامة عن هذه الرحلة وما غرد به في تويتر وعقب عليه الكثير من زملاء الملتقى وقرأته في موقع النادي الأدبي بالقصيم دالٌ ومؤكد على قيمة هذا الملتقى ونجاحاته وجمالياته المؤثرة في الجميع.
والحمد لله رب العالمين.
مقالات سابقة للكاتب