متلازمة التفكير الإيجابي

أمطرتنا كتب التنمية البشرية وتطوير الذات بأفكارٍ كثيرة عن التفكير الإيجابي؛ حتى غدا الحديث عنه مما يَمُجّه العقل، وينصرف عنه اللبيب، ويزهد فيه كل عاقل.
وهذه حمولةٌ ثقافية ينبغي على أهل الاختصاص رفْعها، وبيان الجيد من الرديء فيها.
إنَّ من فرط الحديث عن التفكير الإيجابي؛ كأنَّ عقولنا أُصيبتْ بمتلازمة عقدة التفكير الإيجابي.
فأنْ تكون متفائلاً وإيجابياً؛ لا يعني خلو حياتك من منغصاتٍ تُكدّرُ صفوها، ولا يعني بالضرورة صَرْف النظر عن واقعك الذي تعيشه، وأن تنظر لكلا طرفي الكوب دون إغفال أحدهما على حساب الآخر.
إنه من السهل رؤية الجانب السلبي للأمور بناءً على ذاكراتنا الثقافية.
مثلاً، اطلبْ من أيّ شخص أنْ يخبرك عن ثلاثة أشياء سيئة حدثتْ له في يومه؛ وسيجدها بسهولة،في حين لو طلبتَ منه ذكْر ثلاثة أشياء جيدة؛ سيحتاج بعض الوقت حتى يُجيب.
وهذا الأمر قد يبدو صورة قاتمة، لكننا نحتاج إلى تشخيص واقع صورنا الذهنية التي تُسَيّر يومنا؛ حتى نَتَنبّه لفداحة الخطأ الذي نقع فيه دون أن نشعر.
فأنْ تعيش وفق تفكير إيجابي؛ لا يعني أنك لا تعاني، بل يعني أنك لا تضع فقط تركيزك على ما تُعاني منه.
وشتان بين أن تركز على المشكلة، وبين أن تبحث عن حلها.
إنَّ الوعي الإنساني -في جوهر أدبياته- يَمُدُّ صاحبه بإدراكٍ أن طرق الحياة تتعدد، وأنَّ مسالكها تتنوع، ويمنحه في ذات الوقت بفيضٍ من الخيارات الواعية حتى يتمكن من سلك السبيل الصحيح.
ويمكن للإنسان إدراك ذلك السبيل الصحيح عبر تدريب عقله على رؤية كل الاحتمالات، والتَّبَصُّر بكل الخيارات في الحياة.
إنَّ تدريب العقل على معايشة واقع الحياة؛ يمنح صاحبه لياقةً ذهنيةً تُمَكّنه من تجاوز عقبات الحياة، والمُضي قُدماً نحو تحقيق غايته الأسمى، وتقبُّل وضعه، ومحاولة تحسينه، والاستمتاع بجميل ما لديه.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *