يبدو أنَّ الذاكرة الثقافية لم تستطع تجاوز بيت المتنبي الشهير:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
فهذا البيت جاب العيد فينا لقرون عديدة ولا يزال!!
فمن يَمرُّ بوسائل التواصل الاجتماعي يَجدُّ كثافة الحضور لهذا البيت مع كل عيد، واحتشاد معانيه في ذاكرتنا بصورٍ شتى.
ولعلَّ هذا يقودنا إلى تأمُّل عَجْز الذهنية الثقافية عن تجاوز الأزمة التي خلقها هذا البيت؛ حتى باتت قلوبنا مسكونة بوجع الفقد، والتَّحسُّر على ما فات مِنْ أعمارنا.
مع أنَّ المشهد الذهني يأخذ حالتين متناقضتين، وكل حالة تقف على ضفةٍ ذهنية مستقلة.
الحالة الأولى:
تتصدر المشهد الاجتماعي في لبْس الزينة، وممارسة الألعاب الشعبية، وتزجية الوقت في الزيارات، وممالحة الناس في أحاديثهم، مع أنَّ عنصر التَّوجُّع والتَّحسُّر قد يخاتل صاحبه على حين غِرة وفي غمرة نشوته، لكنه يظلُّ في مغالبته كمن يحمل جسده على تحمُّل الألم لحين الوصول إلى الطبيب.
الحالة الثانية:
وهي حالة يشتدد ألمها في حال أننا خلونا لأنفسنا بعد أن نفرغ من زحام السامر الذي أمضينا ليلنا فيه، وهي الأكثر ضرراً وتأثيراً على صاحبها، وهي حالة ديمومة التَّفقُّد والتَّحسُّر، والتي تُلّقي بظلالها على صاحبها؛ فتمنع قلبه من الانفتاح على حالة الفرح، وتحجب عن فؤاده عيْش لحظات الابتهاج الذي ينثرها العيد السعيد.
إنَّ الإنسان الواعي يدرك الحكمة الربانية من العيد السعيد التي لا تخفَ على كل لبيب.
فلماذا نُصر على تلويث أنامل أيامه بالحزن والتوجد، مع قدرتنا على تخضيب أيامه بحناء البهجة والسعادة.
إننا إنْ سمحنا للحالة الثانية بالتمكُّن والسيطرة على ساعات يومنا؛ سيتضح ذلك جلياً على تقاسيم وجوهنا، فالناس ترى مشاعرنا وليس ملامحنا الظاهرة فقط.
فلنسكب الفرح في أقنية أرواحنا، ولنتوشح بذْل الجمال لأنفسنا عبر الإحسان إليها، والبر بها عبر منح أوقات المرح والفرح مساحةً أصيلة من أيامنا، وألَّا نزهد في ذلك عبر جَعْل الاستمتاع بالحياة في فضْلة يومنا.
سليمان مسلم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي