تواصل “هيئة التراث” جهودها في البحث عن مكونات التراث الثقافي وحمايته وصونه والتعريف به والاستفادة منه كموردٍ ثقافي واقتصادي مهم ضمن الاستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية المملكة 2030، وذلك من خلال العمل وفق استراتيجيات دقيقة وشراكات علمية واسعة النطاق على المستويين المحلي والدولي.
وحظي هذا العام 1444هـ باكتشافات مهمة في عددٍ من مناطق المملكة منها اكتشاف وتوثيق أول نقشين في منطقة القصيم وسط المملكة كُتبا بالخط الداداني، وذلك خلال أعمال المسح الأثري التي أجرتها هيئة التراث بالمنطقة؛ للوصول إلى المزيد من الاكتشافات الأثرية التي تُثبت العُمق التاريخي للمملكة، والحضارات التي تعاقبت عليها على مدى قرون طويلة.
ويُبْرِز النقشان أهمية منطقة وسط الجزيرة العربية كممرٍ للقوافل التجارية، كما يُشير اكتشافها إلى الطريق الواصل بين مملكتي دادان ولحيان في شمال غرب الجزيرة العربية، ومملكة كندة في الفاو مروراً بوسط الجزيرة العربية، كما يعكس اكتشافهما في منطقة القصيم إلى التواصل الحضاري والتجاري بين الممالك العربية القديمة لفترة ما قبل الإسلام.
ويأتي النقشان بوصفهما تذكاريين مكتوب أحدهما بالخط الداداني المبكر والآخر بالداداني المتأخر، وذلك على واجهة صخرتين في موقع أثري بمنطقة القصيم يطلق عليه موقع “الدليمية”، الذي تنتشر على واجهات صخوره الجنوبية الشرقية عدداً من الفنون الصخرية التي تعود مبدئياً إلى العصر الحديدي، إضافةً إلى وجود فنون صخرية حديثة، وكتابات عربية قديمة.
ورصدت هيئة التراث عدداً من الكشوفات الأخرى إلى جانب النقوش الدادانية تمثّلت في توثيق موقع أثري جديد، بإسم “الدليمية 3” وهو عبارة عن جبل رملي صغير، عثر في إحدى صخوره على نقش ثمودي قصير، إضافة لرصد مبدئي لـ (33) موقعاً لمنشآت حجرية، سيتم توثيقها لاحقاً.
وأعلنت الهيئة هذا العام أيضاً عن اكتشاف عدد من النقوش المسندية الجنوبية، وثلاثة خواتم ورأس ثور من البرونز يعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وذلك ضمن أعمال التنقيب التي تُجريها فِرق هيئة التراث في موقع الأخدود بمنطقة نجران.
وأوضحت أن النقوش المسندية الجنوبية المُكتشفة في موقع الأخدود بنجران، ذات طابع تذكاري ومن أهمها نقش كبير مدون على حجر من الجرانيت، ويعد أطول نقش مسندي عثر عليه في تلك المنطقة، ويعود لأحد سكان موقع الأخدود، واسمه (وهب إيل بن مأقن)، يذكر من خلال نقشه هذا أنه قد عمل في سقاية بيته وربما قصره.
كما جرى الكشف عن ثلاثة خواتم من الذهب، لم تكتشف خلال المشاريع العلمية السابقة، فضلاً عن العثور على رأس ثور مصنوع من معدن البرونز عليه آثار أكسدة يجري العمل حالياً على ترميمه، والمعروف أن رأس الثور كان من الأمور السائدة لدى ممالك جنوب الجزيرة العربية في عصور ما قبل الإسلام، ويرمز للقوة والخصوبة لدى السبئيين والمعينيين والقتبانيين.
وأضافت الهيئة أنه عُثر أيضاً في موقع الأخدود على العديد من الجرار الفخارية بمختلف الأحجام، إضافة إلى اكتشاف أثري مهم لإناء من الخزف الأتيكي، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
وانتهت هذا العام 1444هـ من مشروع تنقيب “موقع حليت الأثري” في محافظة الدوادمي بمنطقة الرياض، ويعد أحد مواقع التعدين التي تعود إلى العصر الأموي، وله ذكر في المصادر التاريخية المبكرة باسم “معدن النجادي” نسبة إلى مالكيه أبناء نجاد بن موسى بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وأظهرت النتائج، الكشف عن سوق المستوطنة والمكون من وحدات معمارية وغرف متلاصقة ذات مداخل جانبية، بالقرب من المسجد المكتشف سابقاً، كما عثر على مجموعة من الرحي والمدقات التي تستخدم للتعدين، وتبرز دور الموقع كأحد أهم المناجم الإسلامية، إضافة إلى معثورات أخرى ذات أهمية عالية، ومنها عملة أموية مؤرخة تعود إلى عام 85هـ، ومثقال وزن يحوي كتابة عربية مبكرة.
ويعد موقع حليت الأثري من أهم المواقع التي تبرز الدور الحضاري للجزيرة العربية خلال الفترة الأموية.
يشار إلى أن هيئة التراث تهدف من خلال الكشف عن هذه الآثار إلى حمايتها والعناية بها، وإبراز الدور الحضاري للمملكة في مختلف العصور.