حتى لا ينكسر الباب

في التطبيقات العملية للتربية يحار المربي

أحيانا بين طرفي اللين والقسوة . والمواجهة والمداراة .
والمربي لرعيته كالباب الذي يرد العواصف القادمة من الخارج والتي فيها الفساد والهلاك إذا دخلت على من تحت يده ورعايته .

فإذا كانت هذه العواصف شديدة ولم يعد بالإمكان ردها تماما . فهل الأولى أن يبقى في حالة المواجهة الكاملة حتى ينكسر .؟

أم أنه ينتقل إلى وضعية يمكنه معها تخفيف حدة وشدة هذه الرياح ليضعف أثرها حيث لم يعد من الممكن له ردها ، حتى تهدأ ويعود الباب في التصدي والحماية مثلما كان وأقوى .

لا شك أن الانتقال في وضع دفاعي مُجدٍ وقابل للاستمرار أولى من البقاء أمام تيارٍ قوي يكسر الباب وتدخل منه العواصف القوية المهلكة .

فالحرب كر وفر ، والطريق طويل ، والجندي يحتال في يقظة وحذر .

لكن لا بد أن يستحضر المربي هنا أن المطلوب منه الثبات والعودة سريعا للإغلاق والتصدي والدفاع الكامل أمام هذه العواصف المفسدة .

فلا يركن ويستحسن موقف الضعف هذا أو يدعو إليه من عافاهم الله من هذه الرياح القوية . أو من كانوا من القوة بمكان لا يخشى عليهم الضعف والانكسار ، أو يهوِّن من أثر الفساد الذي دخل ولم يستطع رده .

لقد قررت الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشددت في ذلك النصوص . كما أنها جاءت بالإعذار في حالة العجز والانتقال لمرتبة الإنكار باللسان ثم القلب .

والمداراة وترك التغيير باليد إذا ترتب عليه ماهو أشد من هذا المنكر. والنصوص معلومة في هذا .

ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول:«مَنْ رأى مِنكُم مُنْكرًا فلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِه، فإنْ لَمْ يَسْتَطعْ فَبِلِسانِه، فإن لم يَسْتطعْ فَبِقَلْبِه، وذلك أضْعَفُ الإيمان».

وفي الصحيح عنها رضي الله عنها أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ على النبيِّ ﷺ فقال: «ائذنوا لهُ» فَلَمَّا رَآهُ قال:«بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وبِئْسَ ابْنُ العَشيرَةِ»، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَقَ النبيُّ ﷺ في وَجْهِهِ، وانْبَسَطَ إِلَيْه (وفي روايةٍ: ألان له الكلام)، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قالتْ لَهُ عائِشَةُ: يا رَسولَ اللهِ! حينَ رأَيتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذا وكَذا، ثُمَّ تَطلّقْتَ في وَجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقالَ رسولُ اللهِ ﷺ:«يا عائِشَةُ! مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ شَرِّه، (وفي روايةٍ: فُحْشِهِ)».

وترك عليه الصلاة والسلام قتلَ بعض من يستحق القتل ، وإعادة بناء الكعبة . تأليفا للناس ومراعاة لحال الدعوة .

لكن من الناس من يحمله عجزه وضعفه على أن يجعل البديل هو الأصل .

وهذا عندما يكون هو الباب لا يغني شيئا ولا يرد الرياح المعتادة المتوسطة فضلا عن الشديدة .

فيا أيها المربي والمعلم عندما تعجز عن رد الشر ومنعه لا تستهن بالتخفيف منه فأنت مخاطب بالتخفيف فهذا الذي ترده هو منكر مطلوب منك رده . وذاك الذي عجزت عنه أنت معذور في عدم رده فانتقل للمرتبة الأدنى .

يقول شيخ الإسلام رحمه الله ،: (فَإِذَا قَوِيَ أَهْلُ الْفُجُورِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ إصْغَاءٌ إلَى الْبِرِّ؛ بَلْ يُؤْذُونَ النَّاهِيَ لِغَلَبَةِ الشُّحِّ وَالْهَوَى وَالْعُجْبِ سَقَطَ التَّغْيِيرُ بِاللِّسَانِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَبَقِيَ بِالْقَلْبِ ) الفتاوى (١٤ ‏/ ٤٧٩)

ويقول الإمام ابن باز رحمه الله : (فإذا وجد المؤمن هذه الأشياء؛ فليصبر على الإنكار، وليحتسب، ولا ييأس، والله يقول: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ولو لم يحصل إلا التخفيف، لو ما حصل زوال الشيء كله، لو لم يحصل إلا التخفيف؛ لكان خيرًا عظيمًا. ) موقع الشيخ.

فالثبات على التخفيف والاجتهاد فيه خير من الانكسار بل هو الواجب المتعين عند العجز عن الإزالة بالكلية .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين .
وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .

 

أبو حمد عثمان بن علي الأنصاري

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “حتى لا ينكسر الباب

عبدالرحمن

جزاك الله خير اخي ابا أحمد
فعلا لعل القليل يكفي مع الاستمرارية في الإصلاحية والله لا يضيع عمل المصلح
ولعل في قصة اصحاب السبت أبلغ الوضوح
وفقك الله

أبوحسان

العمل بأخف الضررين إذا تحتم قاعدة معروفة والأصل في ذلك ) يا أيها الذين ءامنوا لا يضركم من ضل إذا اهتديتم .. ) . وأدناه تحصيل العذر . أحسنت أباحمد وشكر الله لك

محمود أحمد علي الأنصاري

جزاك الله كل خير ربي يسعدك ويحفظك يارب العالمين

أبوسعيد

جزاك الله خير يابوحمد ، ونفع بعلمك ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *