لا تكون نَفْسيّة!

في طريقنا نحو التَّحلِّي بالمرونة النفسية -قد نقع دون وعيٍّ- في أخاديد التَّصلُّب النفسي الذي يعتبر جوهره محاولة تَجنُّب الأفكار والمشاعر السلبية النَّاجمة عن التجارب الصعبة.
ولتوضيح الطريقة التي ينشأ من خلالها التَّصلُّب النفسي؛ دعونا نضرب مثالاً على ذلك، فلو أنَّ أحدهم أخفق في الحصول على الوظيفة التي تقدم إليها؛ فقد تُومض في ذهنه فكرة خفيّة مفادها (أنا لا أستحق الوظيفة) فيتم دَفْع هذه الفكرة في مكانٍ قصيٍّ، ثم يقرر الخروج مع أصحابه؛ أملاً في تجاوز إخفاقه -وهذا أمر جيد-، لكنه إذا عمد بعد ذلك بالعزوف عن التَّقدُّم لأي وظيفةٍ؛ فهو يمهد الطريق إلى المزيد من المتاعب لنفسه عن طريق إلهاء نفسه بطرقٍ غير صحيحة.
إنَّ أي ممارسة ذهنية -على هذه الشَّاكلة والتي تهدف للاحتواء الوهمي والإلهاء- هي في الأصل تجَنُّب للشعور بالعاطفة الصَّعْبة، أو التَّفكير بفكرةٍ مُزْعِجة، أو لمحو ذكرى مُؤْلِمة، أو غَضّ الطَّرْف عن إحساسٍ أليم؛ فستكون النتيجة ضعيفة، ولا تكاد تُذْكر، بل أنها تُفْضي إلى العديد من المتاعب والصعاب.
إنَّ من شأن تلك الممارسة الذهنية أنْ تُقَوُّض قدرة صاحبها على تعلُّم مهارات جديدة، أو الاستمتاع بالحياة، أو بالعلاقات الجيدة مع الآخرين، فضلاً عن أنَّها يمكن أن تقود صاحبها للإصابة بالأمراض النفسية على المدى البعيد.
إنَّ من أهم أسلحة التَّصَلُّب النفسي أنه يعمل على إقصاء إعمال العقل لدينا، وينسج نصائحه على شكل حكاياتٍ حول طفولتنا، وعن قدراتنا، بل أنه يمارس غوايته بالعمل بمضمون تلك الحكايات.
ولعلَّ ما يُقَوُّي سلطة تلك الأسلحة، أنه يُخَيّلَ لنا أنَّ الهروب من ألمنا، أو محاولة إنكاره، أو إرجاء مواجهته أمر منطقي.
وهذا بدوره يجعلنا ندفع ثمناً نفسياً؛ لأنه يدفعنا أن نتعامل مع الحياة كمشكلة يجب حلها بدلاً من معالجتها؛ لكي تُعَاش بذهنيةٍ واعية.
وللوصول إلى هذه الذهنية الواعية والنَّقْلة العظيمة في المعالجة، (وحتى لا تكون نفسية!!) عليك الانتقال من مرحلة التركيز على ما تفكر فيه وتشعر به إلى مرحلة الارتباط بما تفكر فيه وتشعر به؛ مما يسمح لنا بتركيز طاقاتنا على اتخاذ القرارات الصحيحة التي يمكن لها أن تخفف من معاناتنا، وتساهم بمعالجات حكيمة.
إننا إنْ نجحنا في هذا الانتقال؛ سيكون بإمكان التركيز الجديد أنْ يجعلنا أكثر قدرةً على تَعلُّم مهارة التَّراجُّع عما نفكر فيه، وأنْ نُخْضعه لمشرط التمحيص والنَّقد الواعي، وأن نمتلك الشجاعة اللازمة لكي نُشْرِع نوافذ عقولنا على كل ما هو مفيد ونافع.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

تعليق واحد على “لا تكون نَفْسيّة!

زهراء حسن الحازمي

ماشاءالله تطوير الذات وتحفيز المواطنين الى مهارات التواصل والإتصال الابداعي في احد المجالات البرامج التدريبية يعطيكم العافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *