من العبارات التي تقرع أذن السامع بتَكرارٍ مُمِلٍ
قولُ بعضهم : ( فلان صاحب مصلحة ) ، ونحوُها من العبارات التي يُقصد بها التشكي من الأصدقاء والقرابة ، ومن العلاقات بين الناس وأنها في نظر هذا المتذمر دائرةٌ على المصلحة فحسب .
وإذا تأملت حال هذا المتكلم ، لن تجده حاتمَ زمانه . ولا هو بالمنقذ وصاحب الحلول المعجزة كما يقال .
وإذا سألته عن هذه المصالح التي استفيدت منه وجرب بها الخلق ومقتهم لأجلها تجدها مما لا تقوم علاقات البشر وتعاملاتهم إلا بها .
بل قد تجدها عبارة عن نفس العلاقة الطبيعية التي لا بد منها ونفس التعامل الذي يفرح المسلم ببذله لأخيه المسلم .
من الطبيعي _ على سبيل المثال _ أن الإنسان إذا نزل بلدا أو منزلا جديدا أو انتقل إلى عمل جديد أو دراسة ، أن يكون بحاجة لمن حوله يسترشد بهم ويستعين ويستنصح.
ثم مايلبث أن يستغني كغيره وينشغل بمشاغل الحياة .
فمن العيب وتضييع الحسنات أن نعد على مثل هذا ونحسب ماقدمناه له من خِدمات ومعاملات واجبة .
ومن الغفلة كذلك ألّا نعذرَه بما نعذرُ به أنفسنا من انشغال بالحياة وأعبائها .
ومن الطبيعي كذلك أن الإنسان حينما يقع بمشكلة أو ضائقة يستعين بمن حوله ممن يراهم أهلا لذلك .
ولا يخطر بباله أنه سيحمل عبئا لا يطيق حمله ومعروفا لا يمكن شكره.
على أن بعض من يُنظِّر ويتّهم الناس بالسعي خلف مصالحهم فقط ويسلط عليهم سياط جحْدِ المعروف هو أقلُّ وأحقر من أن يقدم حتى هذه الخِدمات الطبيعية المعتادة .
لكنه يستخدم هذا الاتهام درعا وعذرا يبتعد به عن الناس حتى لا يطلب منه شيء أصلا ولا يُحتاج إليه ، ويبرر به عجزه وتقصيره .
فترتعد فرائصه إذا جئته للسلام ويخشى الانبساط في الكلام .
وفي الحديث (خير الناس أنفعهم للناس)
[ الصحيحة / ٤٢٦] قال الصنعاني رحمه الله في التنوير (٥٦٧/٥) : ( خير الناس أنفعهم للناس في الإحسان إليهم بماله وجاهه ).
فالمسلم يفرح بما ييسره الله على يديه من خدمة ومعروف يقدمه لأخيه المسلم.
فإن لم يكن ممن يبذل المعروف لا يبغي جزاءا ولا شكورا .
فليحذر أن يكون ممن يريد أن يسترقّ إخوانه ويذلهم لمعروف يسير تافه .
فتأخذه العزة بالإثم ويتوهم أنه صاحب المعروف ورب النعمة على خلق الله .
فإذا بذل إحسانا لأحد لا بد أن يتردد عليه كل فترة ويتبسم له بتكلف ويجدد له الشكر والثناء
وأن يكون تحته تابعا يستخدمه للأُنس ، ويستكثر به الجلساء ويقدمه للأصدقاء تقديم التابع للمتبوع والقائد للجندي المخلص .
لا شك أن شكر النعم ورد الجميل خلق نبيل ، لكن ذلك يختلف باختلاف الناس والأحوال. ومن دعا لك فقد كافأك ورد لك الجميل .
والكريم ينسى ماقدمه للآخرين ويشتغل ويهتم بما يمكنه تقديمه لغيرهم.
ومتى غابوا عذرهم وإن عادوا عاد للبذل والكرم لا للمن والأذى.
والبخيل واللئيم من يستثمر قليل المعروف ويتطلب به الثناء الواسع ويتخيل ويتذكر كل ذرة معروف قدمها وكيف يستفيد منها.
ويتسلق كراسي الكرام وهو في زي اللئام.
فاحرص أخي المسلم على نفع إخوانك ولا تحقرن معروفا تقدمه إليهم . ولا تلتفت لمثل هذه الشعارات والعبارات الظالمة الهدامة ، وليكن شعارك مارواه البخاري في صحيحه عن عبدِ اللهِ بن عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «المسلم أخو المسلمِ؛ لا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُهُ ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخيهِ؛ كان الله في حاجَتِه، ومَن فَرَّج عن مسلمٍ كُربةً؛ فرَّج الله عنهُ كُرْبةً مِن كرباتِ يومِ القيامَةِ، ومَن سَتَرَ مسلمًا؛ ستره الله يومَ القيامَةِ».
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يارب العالمين.
أبو حمد عثمان بن علي الأنصاري
مقالات سابقة للكاتب