تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل

التسامح شيء عظيم ، لكن هناك ماهو أعظم من التسامح ، إنه الصفح الجميل ، أي نسيان الإساءة ، وهي من الصعوبة عند الكثيرين ، لكن يحتاج منّا التدرب والتطبع على فعل المكارم والأخلاق مع تذكر ثمار الصفح الجميل في الدنيا ، والأجر من الله عزوجل في الآخرة.

لذا نظف تفكيرك من أولئك الذين لا يستحقون أدنى تفكير ، وانشغل فقط بكل ما هو إيجابي ومفيد في حياتك ..

من هذه المقدمة أنقل لكم قصة رجل من أهل الجنة ، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع بصحابيته الكرام ، ثم أردف قائلًا عليه الصلاة والسلام : ( يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة ).

فدخل رجل وصلَّى ركعتين وذهب ، ومرة ثانية وثالثة يقول عليه الصلاة والسلام : ( يدخل عليكم رجل من أهل الجنة ) ، فخرج نفس الرجل ، بعد ذلك عبدالله بن عمرو تبعه إلى بيته ليبيت عنده ثلاث ليالٍ ، فرأى صلاته وصيامه كالناس العادين ، فقال : أسألك بالله يا عم . بم استحققت دخول الجنة ..

فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام أنك من أهل الجنة قال : لست بكثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ، ولكن والله ما نمت ليلة من الليالي وفي صدري غلًا أو حسدًا أو كرهًا على أحد .

ما أحوجنا اليوم لتوظيف التسامح في علاقاتنا وتعاملاتنا وخلافتنا ، لنتطلع إلى مجتمع يسوده التسامح والحُب النابع من الثقة والقوة ، وليس من التخاذل والضعف ، فالعفو والتسامح من فضائل الإسلام التي ترفع المرء إلى أعلى درجات الإيمان والإحسان ..

والتسامح عنصرًا مهمًا في حياة الإنسان السوي ، وله الدور البالغ في توطيد العلاقات الإنسانية بين البشر ، ويزيل غبار المشاحنات ، ويصفي النفوس ، وهو أفضل علاج للروح وللنفس ، وقد قيل أن التسامح نصف سعادة الإنسان، وسيفيدك أكثر مما سيفيد الآخر ، وعدم التفكير فيه أو لومه أو الإنتقام منه هو انتصارًا لك ولشخصيتك .

وكما قيل : الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي يرتكبها غيرنا في حقنا وفي حق المجتمع ، أو في تغذية روح العداء بين الناس . ولرب لحظة من لحظات التسامح أوقفت مشكلات وجلبت خيرًا وحبًا كثيرًا ..

والنجاح لن يتسع للإنجاز والهدم ، والعقل لن يفكر في العمل والانتقام في آنٍ واحد ، فإما أن تلقي كل ما يسوؤك في سلة المهملات ، وإما أن تبقى بجوار من أساء إليك تلعن وتلوم وتتضجر وتشتكي إلى ما لا نهاية .

كُن من أهل الجنة بالتسامح .
قال تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } .

وقال تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ ) .
وقال تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .

قال الإمام أحمد بن حنبل : ( تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل )، وليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي.

وقال الحسن البصري : ( ما زال التغافل من فعل الكرام ) .

ورحم الله الشافعي إذ يقول :

لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من هم العداوات

 

علي زهير يوسف – جدة

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *