تعودنا أنْ نتسلَّح بالإجابات؛ حتى نكون في كامل استعدادنا إذا غزتنا جيوش الأسئلة.
وقد يرجع سبب ذلك إلى ثقافة التَّوجْس من قول لا أدري؛مخافةً أن نُنعت بمعايب النقص، وضعف النجابة، وسوء البديهة.
إننا إنْ خضعنا لهذه الثقافة، واستسلمنا لجنودها، ووقعنا في أسْرِها؛ لكان همَّنا الأول أنَّ كل من عرض رأياً، أو طرح سؤالاً، أو ذَكَرَ مقترحاً أن ألقمه حجراً، وأنْ انتصر عليه، وأتفوق على رأيه.
وهذا الأمر مع مرور الوقت؛ شكَّل بداخلنا حُمماً من نار الكلمات نقذف بها في وجه من نتحاور معه.
ومن يتأمل هذا المشهد لهذه الثقافة؛ يجدُّ أن الأصل في هذه المسألة هو أنَّ الإجابة الأولى لأي سؤال هي “لا أعرف”.
فالإنسان يحتاج إلى الكثير من الكتب والأفكار والشجاعة والمواقف والتجارب؛ حتى يصل إلى تلك الإجابة الأولى.
وحتى يكون المرء على بيّنةٍ من أمره؛ يمكنه أن يتفهم تجذُّر هذا النَّسق في ذاكرتنا الثقافية، ومدى تَعمُّقه داخل أحشاء حواراتنا، ومن ثم يبدأ في العمل على الانفكاك منه عبر ترويض النفس ودفْعها نحو الإجابة ليس من المخزون العقلي الذي تَشكَّلَ عبر خبرات عديدة، وسنوات مديدة، بل تكون الإجابة عبر التَّغذْي على أمارات الحكمة: (التأمل، والتدبر، والتبصُّر).
إنَّ المرء إنْ نجح في الوصول إلى تلك الأمارات؛ زَهِدَ في الفوز بالإجابة الأولى، ومنح هذه الأمارات مساحةً كافية من فكره، ونَهَلَ من معين التجارب؛ حتى استقام جوابه، وازداد صوابه.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي