إنَّ البيئة هي المكان الذي يحيط بنا جميعًا، فالشجرة نستظلّ بظلّها ونستنشق هواءها، فهي شريان الحياة التي نتقاسم معها وقود الحياة وطاقتها من أجل بنائها وعمارة الكون والمحافظة عليه، عندما نستشعر مسؤوليتنا تجاه البيئة والمحافظة عليها، فهذا أمرٌ حثّ عليه ديننا الحنيف، وجعل الأجر والثواب لمن يحافظ عليها، لذا من يعمّر هذا الكون وفق منهج الله -سبحانه وتعالى- سيهنأ بعيشه وتستقرّ حياته، ويقلّ القلق تجاه البيئة وانتشار الملوّثات حولها.
فالماء والهواء والتربة النظيفة، من العوامل البيئيّة الرئيسة المؤثِّرة في صحة الإنسان وبناء مجتمع حيوي قادر على مقاومة الأمراض والمحافظة على صحته، حيث إنَّ تنمية الوعي لديه بأهمية المحافظة على البيئة والمشاركة والمساهمة الفاعلة في تبني السلوك الحضاري الذي يُبنى على قيم الحياة واستبدال الممارسات الخاطئة والسلوكيات التي تضر بالبيئة بممارسات وسلوكيات صحيحة، تعزّز نشر الثقافة البيئيّة وتبني لدى الإنسان الاتّجاه الايجابي نحو البيئة ومكوناتها.
هذا ما أكّدته رؤية ٢٠٣٠ التي قامت على مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح في ظلّ قيادة وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومتابعة سموّ سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي أكّدت على جودة الحياة من خلال برامجها في تحقيق التنمية المستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعيّة للأجيال اللاحقة والحدّ من ظاهرة التصحّر وتشجيع الممارسات الصحيحة التي تعزّز أهمية البيئة والمحافظة عليها، فانطلقت مبادرة “السعودية الخضراء” من خلال مشروع الرياض الخضراء الذي اهتمّ بزراعة سبعة ملايين شجرة، ومبادرة “نجعلها خضراء” بزراعة عشرة ملايين شجرة في مختلف مناطق المملكة، وكذلك مبادرة “السعودية الخضراء” بزراعة عشرة مليارات شجرة خلال العقود القادمة.
إنَّ عملية المحافظة عليها ترتبط بمدى وعي أفراد المجتمع نحوها، وتعدّ العملية التربوية عنصرًا مهمًّا في نشر الوعي البيئي بين الطلاب من خلال المناهج الدراسية، التي تُدرّس التربية البيئية لتُغرَس السلوكيات الإيجابية لدى الطلاب نحو البيئة، وذلك بإبراز العلاقة الوثيقة بين الإنسان والبيئة وأهمية استمرار هذه العلاقة في الاتجاه الصحيح، بما ينعكس إيجابًا على حياة الإنسان.
ويؤدّي التعليم دورًا أساسيًّا في التعرف إلى مكونات البيئة والتشخيص للمشكلات البيئية والمحافظة عليها في مواردها عن طريق تعليم مفاهيم التربية البيئية كجزء جوهري في المقررات الدراسية وأهدافها، وخروج الطلاب في زيارات ميدانية لدراسة مشكلات البيئة وعناصرها المختلفة في الواقع، مما يساعد في تكوين اتجاهات إيجابية للمحافظة عليها وصيانتها.
وقد اهتمت دول كثيرة بالمناهج الدراسية؛ ومنها: المملكة العربية السعودية من خلال حسن اختيار المفاهيم البيئية المناسبة لأعمار الطلبة، ومستوياتهم العقلية، وتنوع النشاطات البيئية، كما أنّ العناية بالتربية البيئيّة انصبت على المراحل الأولى من التعليم العام وخاصة المرحلة الابتدائية، حيث سهولة تشكيل سلوك الطفل في هذه المرحلة وبناء الاتجاهات الإيجابية نحو زيادة فهمه وتعامله مع بيئته، فإدخال المفاهيم البيئية في المناهج لا يحدث ارتجاليًّا أو عشوائيًّا بل إن المطلوب بناء مناهج علمية وبيئية في إطار استراتيجية متكاملة.
والتربية البيئية هي عملية تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقّدة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الفيزيائي، والدليل على حتمية المحافظة على المصادر الطبيعية وضرورة استغلالها لصالح الإنسان حفاظًا على حياته الكريمة ورفع مستوى معيشته.
وللتربية البيئيّة العديد من الأهداف؛ منها:
- إعداد المواطن الإيجابي.
- معرفة البيئة (الطبيعة) الاجتماعية، السيكولوجية، الجمالية.
- الاهتمامات بالبيئة ومشكلاتها.
- تزويد المواطن باتجاهات إيجابيّة نحو حماية البيئة من التلوث والإهدار والاستنزاف.
ويمكن توظيف التربية البيئية في المناهج من خلال:
- تعزيز الاتجاهات الإيجابية نحو البيئة لدى الطلاب.
- تنمية الإحساس بأهمية البيئة لدى الطلاب.
- أهمية العمل الجماعي في حماية البيئة واستثمار مواردها.
- تنمية مهارات التفكير العلمي في التعرف إلى المشكلات البيئية والمشاركة في حلها.
- الاهتمام بإدخال المفاهيم البيئيّة في المناهج الدراسية في التعليم العام.
- أهمية التركيز على الأهداف التعليميّة العامة للتربية البيئية في الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية.
- الاهتمام بالأنشطة المنهجية في المدرسة، وعدّها جزءًا من المنهج الدراسي، وتوجيهها نحو تنمية الاتجاهات البيئية، وتحويلها إلى سلوك دائم لدى الطلاب.
د. محمد حارب الشريف
مقالات سابقة للكاتب