أَسْوار بُيوتنا أُخْترقت!

للبيوت أسوار محاطة بالخصوصيات والأسرار الأسرية ، فالناس لا يعلمون ما يجري في البيت المستور ، ولا عن حياة زيد من الناس ، ولا كيف يعيش مع أسرته ، ولا يعلمون عن الطفل الفلاني وعفويته ، ولا الفتاة التي أُقحمت ، وكُشفت سيرتها ، ومهارتها ، على الملأ ، كل ذلك ، كان في حيز الكتمان ، وهذا هو الواجب الشرعي
الذي يسير عليه المسلم حفاظاً على أسرار بيته وأسرته ،حتى ظهر لنا ما يسمى بـ ( السوشيال ميديا )، فأمام شاشة الجوال ، كشف بعض الناس خصوصيته ، ونشر أسرار بيته ، فهو يَعرض كلّ ماهو متاح له ، من أفراح أو أحزان ، من سفريات أو مشاهدات في منتزهات ، من مأكل ومشرب ، حتى الأطفال أقحموا في نشر خصوصياتهم ؛ من فرح أو حزن ، أو مرض ،أو مهارة تميّز بها ، كل ذلك يصور ويُعرض على الناس ، والطفل بعفويته يتحدث ، يصيب ويخطئ ، ويتصرف أحياناً تصرف يضحك الناس عليه ، أو يكون في وضعية سخرية واستهزاء ، وهو مع براءته ، يحسب أن هذا سلوك حسن ، والأب أو الأم يستمتعون ، بهذه المشاهدات ، وبغيتهم الوصول إلى هاشتاق يبلغ الترند ، من أجل الشهرة ، وجمع المال ..

واعجباه ، يبيع الإنسان خصوصيته ، ويكشف أسرار أسرته وأهله ، من أجل أن يضحك الناس ، ويقول الناس ، مشهور ، ويكسب من وراء ذلك مالا ..

واعجباه ، أي شهرة هذه ، مشهور أن يقال فلان ، مضحك ، فلان مبالغ ، حياة فلان وأهله مكشوفة ، ولده أو ابنته ، تعمل كذا أو مسكينة ، أو يقال فلان انفصل عن زوجته ، أو هي تركته من أجل كذا وكذا، أو فلان ترك زوجته ، لانها عملت كذا وكذا ..

ولوكٌ بالألسن ، في أعراضهم ، وأسرارهم وخصوصياتهم ..

ترى من الذي أوصلهم هذا التاريخ المشين الذي ، تم توثيقه ، وتسطيره حيث التاريخ لا يرحم ..

فقد سُجلت تلك الأحداث في صفحات تاريخك وتاريخ أسرتك وأولادك ، تخيل هذا الابن أو البنت البريئة العفوية التي على فطرتها لا تميز بين الصواب والخطأ ، وتتخذها مطية ، وتنشر سيرتها وحياتها الاجتماعية ، ومهاراتها التي حباها الله بها على الناس ، الذين ربما يحسدنوها ويصيبونها بالعين ، فتخسر حياتها كلّها أو تسجل عليها مواقف غير لائقة وغير مقبوله اجتماعياً من قول أو فعل ، وإذا كَبُرت وأدركت ، و أعادت تلك المشاهد ، استحيت وندمت ، وقالت ( ليتني كنت أُدرك فلا أفعل ) فيعيبها الصغير والكبير ، وتصاب بحالة نفسية من القلق والهم مما فعلت في صغرها ، وربما تتوارى عن الخلق من سوء مافعلت وهي لا تدرك ولا تستبعد أن تقول ( حسبي الله ونعم الوكيل من كان سبباً في ذلك ) فتصيبك دعوة مظلوم ، كنتَ غافلا عنها..

والمشكلة أن هذا الداء انتشر بين الكبير والصغير في الأسرة ، عن طريق النشر عبر السنابات ، تحتفل الأسرة بأحد أفرادها ، تنشر الصور ، تذهب إلى مطعم توضع أطباق الطعام مباشرة تصوير ونشر في السناب ، بل البعض يعلم طفله بعض المهارات ، أو بعض المبالغات وأكثرها بعيدة عن الحقيقة والواقع ، من أجل تصويره ونشره بالسناب ، بغية زيادة المشاهدات ، بل وصل بالبعض أن يختلق أي قصة أو حدث مثير وإن لم يكن واقعاً من أجل إثارة الناس والمشاهدات ..

رحماك ربي ، أين تحكيم العقل ، وتصور عاقبة الأمور ، وإذا تحدّثت معهم ، لا يليق هذا ؛ قالوا أبداً نحن لا ننشر إلا على أقاربنا وزميلاتنا والقروبات الخاصة ..

أيها الغافلون : أفيقوا من سبات نومكم
أذهب الى مطعم ، واطلب ما أشتهي ثم أخبر به الناس ، عجباً ، أين مراعاة المشاعر فيمن لم يتمكن أن يحصل على ماحصلت عليه ، أين مراعاة سيلان لعاب الفقير عندما يرى تلك المائدة عبر الصورة ، بعيدة المنال ، أين تحسب نظرة العين الحاسدة التي لا تتمنى لك الخير ، أين … أين ،،،،كل ذلك يغيب عن الذهن حال سكرة الظهور والتفاخر ، بأنّ وضعنا هكذا ، وإن قيل لهم ؛ قالوا : نحن لا نتفاخر ولا نتباها ، إذا بماذا تفسر ؟

فالافعال شاهدة وقرينة على ذلك ، وإلا ما الغرض أن تفشي أسرار حياتك ليلاً ونهاراً ، أين ذهبت ، ماذا أكلت ، ما اشتريت ، أين سافرت وماذا شاهدت ، الفرض واحد ، أنك تريد الشهرة وكثرة المتابعين
وإظهار أنا هنا ،،،،،

ومن هنا نحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات في حياة الأسرة ، ولتعلم أنّ دينها ، الذي حث على حفظ أسرار البيوت ، وقيمها وعاداتها التي عاش عليها الآباء والأجداد ، والذين كنّا لا نعلم عن مجرى حياتهم الأسرية إلا ماظهر منها لقليل من المقربين، وتماسك هذه الأسرة وعدم إفشاء حياتها وأفعالها ، وما رزقها الله به من النعم والستر والأمن والأمان ، هو أولى من هذا التخبط في البحث عن الشهرة أو طلب المال بهذه الطريقة ..

ولنعلم أبناءنا وبناتنا ، كيف نشكر الله بحفظ أسرار بيوتنا ، وعلينا إعادة التفكير في خصوصيات وأسرار بيوتنا ، ولنحافظ على المكتسبات العائلية والتربوية ، ولنحمد الله على نعمة الذرية ، ونرعى الله فيها ، بالتوجيه السليم ، والتحصين المنيع ، والاستفادة من التقنية في العلم والبناء ، لا في كشف الأسرار ، وهتك الأستار ، ولنحرص على المحافظة على متانة حصون بيوتنا لتمنع من اختراق خصوصيتها .

 

د.صلاح محمد الشيخ
مستشار أسري وتربوي

تعليق واحد على “أَسْوار بُيوتنا أُخْترقت!

هيثم محسن الشيخ

ماشاء الله تبارك الله فعلا يادكتور حديثك عن الواقع الحالي هو فعلا واقع انتشر في أغلب الأفراد والعائلات
وتصويرك للواقع حقيقه غفل عنها الكثير من الناس
ولكن نقول الله يصلح الحال الى أفضل من هذا الحال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *