لماذا أ.د خالد الشريدة قدم علم الاجتماع على غيره ؟

🖋️إن سرد قصص الناجحين والمؤثرين في الحياة له واقع فعال لدفع الأجيال على النجاح والسعي الدؤوب، وعدم الركون إلى الإحباط والكسل، فهناك فئام من الناس لديهم رغبة جامحة في الوصول إلى أهدافهم، ولكنهم حينما يتعرضون إلى صعوبات في بداية طريقهم، ييأسون ويتهمون أنفسهم بأنهم فشلوا، ويتنازلون عن أهدافهم، وهذا مجانب للصواب؛ وذلك لأن الشخص الذي يمتلك هدفا يسعى لتحقيقه لا يعرف الفشل في قاموس مصطلحاته، وإن تعرض لصعوبات فهذه الصعوبات تعد بداية لطريق النجاح.

كما أن هناك القليل من الشخصيات في التاريخ التي دائما ما تأسرك بجميل وجمال فكرها وحسن تصرفاتها، فالمبادرات عندهم صفة ملازمة سجية فيهم غير محدثة.

وقد ترى منهم أفعال تبدو للناس بسيطة ولكن لذوي الفهوم والألباب عميقة لها أبعاد أخرى، يدركها من يعايش معانيها.

وانطلاقا من وصية العلامة والمؤرخ الرحالة محمد بن ناصر العبودي، رحمه الله تعالى حين قال: “اكتب؛ فلعل ما تستخف بكتابته اليوم يكون وثيقة كبرى غدا”

نحن أمام قصة فريدة من نوعها بطلها شخصية محبوبة إلى جميع من يعرفه، ويتعامل معه عن قرب أو عن بعد أو لمجرد لقاء عابر يترك في النفوس انطباع يشعرك بالراحة والطمأنينة والمحبة والود والوئام، ويدعوك إلى البحث عن تفاصيل ومكامن تلك الشخصية التي تحمل بداخلها صفاءً وسلمًا نفسيًا وتسامحًا تعد ميزة لتلك الشخصية الاجتماعية الرائدة، تلك الشخصية سعادة البروفيسور خالد بن عبد العزيز الشريدة أستاذ علم الاجتماع بجامعة القصيم.

هنا أسرد قصة التحاقه بقسم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود فرع القصيم، والتي لم تكن قصة عادية على الإطلاق، إنما فيها من الدروس والعبر والسعي الدؤوب لتحقيق الطموح وتصحيح المفاهيم، ما يدعو الأجيال إلى التمسك بأهدافهم والإصرار عليها.

في وسط المملكة العربية السعودية وبالتحديد عاصمة منطقة القصيم في مدينة بريدة، مدينة الخير والبر والعلم والنماء، المدينة النموذجية التي تلقى فيها سعادة البروفيسور خالد الشريدة تعليمه وتربيته التي تمثل العصامية بكل معانيها، وقضى فيها طفولته وشبابه، وتعلق بها وأحبه وأحبته وأخلص لها وبذل وقته وجهده وفكره وتجاربه وعطاءاته، تبدأ قصتنا.

بينما نحن جلوس في حضرة البروفيسور خالد الشريدة في مجلسه الثقافي العامر، والذي دائما ما يحمل صبغة ثقافية قيمية ووطنية، ويتحفنا فيه بدرر وفوائد وجرعات تحفيزية وخلاصة تجارب عديدة مر بها هي قواعد نجاح لمن سار عليها، إذ بادرته بتساؤل كان إجابته مفاجئة لي رغم قربي الشديد منه، ومعرفتي به، هذا التساؤل هو
لماذا اخترت تخصص علم الاجتماع دون التخصصات الأخرى؟

بدأ البروفيسور في سرد إجابته التي تنم عن رؤية تنموية ثاقبة، وشخصية طالما حملت هم الدين والوطن، وأننا أمام شخصية غير عادية منذ الصغر.

فبعد أن تجاوز البروفيسور المرحلة الثانوية، واقترب موعد الالتحاق بالمرحلة الحاسمة في الحياة وهي الجامعة كانت لدى البروفيسور رؤية نوعية أن علم الاجتماع رغم تأسيسه على يد أحد علماء المسلمين المبدعين فريد عصره وزمانه ابن خلدون، وأنه لم ينشئ علم الاجتماع الإنساني والعمران البشري فحسب، بل إنه قد وضع أيضاً لهذا العلم قواعد منهج أصيلة وطرائق بحث مبتكرة. إلا أن هذا العلم الآن تسيطر عليه الرؤى الغربية وتوضع نظرياته وفقا لها، ورواده غربيون رغم أصالة هذا العلم إسلاميا، وأن هذه الرؤية لا تحمل قيمنا الأصيلة بل هي أبعد ما تكون عنه.

فدار في ذهنه تساؤل طالما أرقه وشغل فكره دائما.. لمَ لا نمنح أنفسنا الثقة بأننا قادرون.. بل مبدعون في قدرتنا على فهم مجتمعاتنا، وتحولاتها، وما يطرأ عليها من ظروف.. ومتمكنون من وصف كل ذلك، وتحليله، ثم تقديم ما نرى أنه أجدر به في أمنه، واستقراره ووحدته وتنميته بشكل أكبر وأكثر وأجدر وأجدى من استدامة حاجتنا أو لكل ما أنتجه الغرب، التي لا تعني أو بل ربما تناوئ، بيئاتنا ومجتمعاتنا؟

بل هي منتج في أصله نبت وترعرع في ثقافة لها ظروفها وأصولها ومتطلباتها المختلفة إلى حد كبير عما نحن عليه! بل إنها في ميلادها انطلقت في عراك مع الدين وقيمه!

استعد البروفيسور خالد للمقابلات التي تجريها الجامعة مع كل الطلاب المتقدمين للالتحاق بالجامعة، وذلك لتحديد ميولهم وإلحاقهم بالكلية والتخصص الذي يرونه مناسبا، وليس الذي يرى الطالب فيه نفسه، فلربما اختلفت رؤى المقررين عن ميول ورغبات المنتسبين وتم تحويلهم إلى تخصصات لا يريدونها.

بدأت المقابلة مع الدكتور خالد وبعد العديد من الأسئلة وسماع صوته العذب في تلاوة القرآن، قررت اللجنة إلحاق الطالب خالد بن عبدالعزيز الشريدة إلى كلية الشريعة، هنا كانت الصدمة للجنة المقررة وهي رفض الطالب خالد الالتحاق بكلية الشريعة، ورد بكل ثقة أريد دخول قسم الاجتماع بكلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، الجميع في ذهول ماذا؟ تقول وماذا تريد؟ أيعقل هذا؟ هل يوجد من يرفض كلية الشريعة في هذا العصر الذهبي لها  وفي نجد على الأخص، وبين ما هذا وكيف هذا، أجاب الطالب خالد الشريدة بأنه يحمل هم آخر وهو خدمة دينة ووطنه في حقل آخر غير كلية الشريعة وهو فك ارتباط علم الاجتماع بعلماء الغرب، والمساهمة ولو بشيء يسير في تأصيل علم الاجتماع الإسلامي بين طلابه وسحب البساط من الساحة الغربية ، وقد ظهر للجنة أن هذا التصور أبعد ما يكون عن طالب في هذا العمر، وأن من الفائدة إلحاقه بكلية الشريعة لما يتمتع به من سمات للنبوغ والتفوق داخل جدران كلية الشريعة، فأجابوه لا مفر لك ولا خيار لك سوى كلية الشريعة ، وما بين الطموح الذي يبلغ عنان السماء بأن يكون له نصيبا من تأصيل علم اجتماع إسلامي ورفض اللجنة، وأنه من مصلحته ومصلحة أسرته والمجتمع أن يلتحق بكلية الشريعة، انتابت الدكتور خالد حالة من اليأس، ولكنه لم يفرط في حلمه الذي طالما ظل عالقا في ذهنه ويلاحقه في نومه ويقظته علم الاجتماع علم الاجتماع ، قرر الدكتور أن يذهب مباشرة إلى فضيلة الدكتور عميد كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية آنذاك ليبوح له بسره وطموحه، هذه الشخصية النيرة التي كانت لها أيادي بيضاء ناعمة على سعادة الدكتور خالد الشريدة، فلمَّ أن قابله وقص عليه القصص، وأبرز رغبته في دخول علم الاجتماع ورغبته في خدمة دينه ووطنه من خلال تلك الرؤية التي يحملها وأن علوم الشريعة نحصل عليها في كل مكان من خلال مجالس العلماء، ، قال له لا تخف أنت في المكان المناسب، وبادر على قبوله بقسم الاجتماع ووعده بعد التخرج بالتعيين معيدا في الكلية طالما أنك تحمل تلك الرؤية الفريدة الكبيرة على من في عمرك.

فكانت كلمات عميد الكلية نعم المحفز للطالب خالد الشريدة للجد والاجتهاد والمثابرة، وهذا ليس بجديد عليه فدأبه دائما الإصرار على التفوق، وأينما وجد تميز وتفوق وأبدع وابتكر هذا ما تربى عليه كريم الخصال الدكتور خالد الشريدة.

وبالفعل بعد أن قضى سنوات الدراسة بالتفوق أوفى عميد الكلية بوعده، فعين الدكتور خالد معيدا بقسم الاجتماع فرع جامعة الإمام بالقصيم بتاريخ 18/3/1410هـ. ثم ابتعث إلى أمريكا للحصول على الماجستير والدكتوراه بتاريخ 24/5/1412هـ. ثم عين على رتبة أستاذ مساعد بقسم الاجتماع بجامعة الإمام بالقصيم بتاريخ 26/12/1419هـ.

ثم تم اختياره بعد إنشاء جامعة القصيم كأول عميد لعمادة خدمة المجتمع التي تعزز الشراكة بين الجامعة والمجتمع عام 1424 هـ.

ثم عين بعدها عميدا لشؤون الطلاب حيث شهدت العمادة تفوقا لطلاب الجامعة في مختلف المجالات على مستوى جامعات الوطن.

ثم عين أستاذا مشاركا في كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية قسم الاجتماع 1426هـ، ثم أستاذ علم الاجتماع بجامعة القصيم – بروفيسور -.

رؤية تنموية فريدة حملها طالب في عمره الصغير وتلقتها عقلية نيرة فأنتجت لنا علم من أعلام علم الاجتماع، أثرت الحياة العلمية والعملية بكتابات وأطروحات ومؤلفات علمية وتغريدات تحت هشتاق خلدونيات أفادت الطلاب والمجتمع ومؤسساته.

وإن أهم مكون في عملية التفوق هو مركب (القناعة الذاتية) … فالإنسان غير الواثق في ذاته وقدراته لن يصبح متفوقا مهما تدافعته ظروف التفوق من كل جهة – كما يشير هو- . لذلك فإن مفتاح التفوق يبدأ من القناعة في الذات.

وأن من يضع نفسه أمام مشروع جديد أو خطوة مهمة لمستقبله فعليه أن يفتش عن أولئك الناس الذين أجادوا في ذلك المجال قبله ليستفيد من خبراتهم ويختصر الطريق على نفسه خطوات وربما أميالا.

هكذا هي الشخصيات التي تحمل هما اجتماعيا ورؤية تريد أن ترتقي بالواقع الاجتماعي لما يستحقه وخصوصا أنه قبلة الإسلام والمسلمين.

وهذه نبذة موجزه من سيرة البروفيسور العطرة:
من إنتاجه العلمي والثقافي:

أ: الكتب العلمية والثقافية.

– مجموعة خلدونيات، تغريدات للدين والوطن والحياة، سلسلة كتب من خمسة أجزاء، 1443هـ – 2021 م ومن يريد الاطلاع يجدها على حسابه @ksharida1 .
– كتاب ” مقدمة في علم الاجتماع، دار النشر دار الجنان للنشر والتوزيع، 2020 م، بالمشاركة.
– كتاب “قضايا في أسلمة العلوم الاجتماعية علم الاجتماع أنموذجا”، دار الجنان للنشر والتوزيع، 2020م، بالمشاركة.
– كتاب ” المنهج النبوي لتعزيز القيم النبوية في المجتمع والبناء القيمي الاستراتيجي، أساليب ونماذج. دار الجنان للنشر والتوزيع، عمان.
– كتاب التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية 2015 م.
– المدخل الى علم الاجتماع 2016 م.
– وفي الطريق بمشيئة الله تعالى كتاب ” فقه الحياة، مقالات في الفكر والثقافة والاجتماع هو عبارة خمسة مجلدات .
ب: البحوث في دوريات علمية متخصصة ومحكمة:
1- ” تكامل التكافل في تنمية وتطوير أساليب الرعاية القبلية والبعدية للمسجونين وأسرهم قراءة جديدة في ضوء المتغيرات الحديثة. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض 1422هـ
2- ” العولمة … والسعودة ” ” دراسة في إشكالية العلاقة بين العالمي والمحلي ” مجلة كلية الآداب – جامعة القاهرة – فرع بني سويف – مصر – العدد الثامن – ابريل 2005م.
3- ” رؤية نقدية لإشكالية الشورى والديمقراطية ” – مجلة جامعة المنوفية – كلية الآداب – مصر – العدد الثاني – ابريل 2002م.
4- ” المسنون بين القيم الدينية والمتغيرات الثقافية والاجتماعية ” – جامعة المنوفية – مجلة بحوث كلية الآداب – مصر – العدد الخامس والخمسون – أكتوبر 2003م.
5- المواطنة في عالم متغير بحث ألقي على القيادات التربوية في المملكة العربية السعودية 2008م.
6- الجامعة المعاصرة وأثرها في تنمية المجتمع 2008 م.
7- الأمن الفكري والوحدة الوطنية بحث مقدم لمؤتمر كرسي الأمير نايف للأمن الفكري 2009 م.
8- توطين المشاريع الخدمية في المجتمع السعودي 2010 م.
9- توطـين الصناعة الخَدَمِية في المجتمع السعودي دراسة اجتماعية تطبيقية على السياسة التصنيعية الحالية، مجلة كيلة التربية، جامعة الأزهر، (165 الجزء الرابع) 2015 م.
10- “ظاهرة الطلاق في الأسر حديثة التكوين في منطقة القصيم”، إعداد: أ.د خالد بن عبدالعزيز الشريدة، أ.د محمود محمد صادق، أ.د محمد إسماعيل علي، جامعة القصيم، معهد الاستشارات والدراسات، 1439هـ – 2018 م.
11- اتجاهات طلاب الجامعات نحو شبكات التواصل الاجتماعي وآثارها النفسية والاجتماعية لدي طلاب جامعة القصيم، جامعة الفيوم – كلية الخدمة الاجتماعية، ع5 ، 2016 .
12- مشكلة العنف الأسري بمنطقة القصيم: الأسباب والحلول، مجلة العلوم الأسرية، الناشر:​جمعية التنمية الأسرية ببريدة، مج1، ع1 ، 2021.
13- البر الأسري مفهومه وطبيعته ودوره في الاستقرار الأسري بالمجتمع، جمعية التنمية الأسرية ببريدة، مج1ع2 ، 2022.
ومن جميل تغريداته:
1- أن أصحاب العقول الطموحة والمحفزة والمرنة ليس بالفكر فقط، بل بالفعل والتفاعل هم أكثر الناس قربا لحمل وتحمّل القيم الراقية. وكلما جفت هذه المعاني حصل الجفاء مع الواقع وآثاره.
2- “أنه كلما كان لدى الشخص رقيا في سلوكياته العملية؛ كلما تناغمت شخصيته مع المسلمات القيمية. وعلى ذلك فحينما تتوافر شروط البيئة المنضبطة مع الشخصية الراقية المتحفزة كان التمدن والإبداع والتجديد”.
3- إن قيم الدين العظيم ترتقي وتنمو وتؤثر وتتأثر مع الشخصيات التي تحمل نفسيات تنجذب للطموح، والتفاني والانصاف وكل معاني الرقي، ولا تتجاهلها أو تتنكب لها لأي إغراء يفسد سموها.
4- من عظمة التقدير الرباني أن يثبت الزمن أن التجاوزات الاستراتيجية تأخذ حظها من الوقت ليتبين للعالم مدى تأثيرها السلبي على أمن وتنمية وسلام مجتمعاتهم.. تم تتهاوى بالقدر الذي استهانت به من قيم الخير والعدل والرحمة.
5- قيمة الإنسان ومكانته من قيمة دولته ومكانتها، … ومن يحمل همّ وطنه يحمل في نفس الوقت همّ قِيَمه ومن هنا التفريق بين همّ الوطن/ المجتمع وقيمه وثقافته.. ومن يسكنه.. هو تجريد للإنسان عن روح مجتمعه، وبالتالي التفاعل معه بما يحقق ذاته الفردية والاجتماعية. والمعنى هنا أن من يحمل همّ دينه وقيمه هو في حقيقة الأمر يحمل هم مجتمعه – شعر أم لم يشعر – والعكس صحيح فمن يحمل همّ وطنه كان لزاماً عليه أن يحمل هم قيمه وثقافته ومبادئها.

وهذا غيض من فيض في سيرة الطموح والعصامية أكتبه أنا من واقع قربي ومعايشتي لتلك الشخصية التي جمعت بين العلم والعمل المجتمعي وخدمت وطنها بكل ما أوتيك من قدرات وإمكانيات.

 

نزار عبد الخالق

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “لماذا أ.د خالد الشريدة قدم علم الاجتماع على غيره ؟

غير معروف

كلام جميل بالتوفيق ان شاء الله يا صديقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *