ناجح بدرجة صفر!

يبدو أننا نطمح خفيةً لأن نعيش سنواتٍ أطول؛ ليس طمعاً في تحقيق المزيد من أهدافنا، والحصول على الكثير من النجاح، بل حتى نتأكد من أن الزمن يُشفي كل ما أصاب قلوبنا من جراح، وعكَّر علينا صفو الحياة، ويغسل كل ما علق بأرواحنا من أدران الخطوب.
يقول جوزيه دي سوزا ساراماغو الروائي البرتغالي الحاصل على جائزة نوبل للأدب:
‏”أسوأ أسى يا ابنتي، ليس ما نشعر به في لحظته، وإنما ما نشعر به فيما بعد، عندما لا يكون ثمة علاج.
‏يُقال إن الزمن يشفي كل شيء، نحن لا نعيش طويلاً للتأكد من ذلك”
ونحن بذلك كأننا نعيش تحت الصفر من مستوى الحياة، فلا نبدأ من الصفر، بل علينا الغوص عميقاً في الحياة؛ حتى نتمكن من البدء من هناك للخلاص والانعتاق من كل ما لحق بنا، حينها يمكننا البدء من درجة الصفر، والانطلاق في رحاب الحياة وصولاً لتحقيق أهدافنا، وبلوغ رؤيتنا.
والوصول إلى درجة صفر يعتبر نجاحاً لا بأس به قياساً بالسياق الظرفي الذي مَرَّ به، كما يعتبر بلوغاً لدرجة الكفاف والحد الأدنى من معادلة الحياة.
إذْ أن التركيبة لطرفي هذه المعادلة يتكون من التشافي من ألم ولادة الحياة، وتحقيق الغاية الأسمى في الحياة، وبين هذين الطرفين تقع نقطة الصفر.
والناس يتفاوتون في هذا الأمر؛ فهم على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: من يعيش دون درجة الصفر من الحياة، فهو يقضي عمره كله، أو أغلبه في محاولة التشافي، وغالباً لا يفلح في تجاوز آلامه، بل تتجاوزه الحياة.
الصنف الثاني: من يعيش في مستوى درجة صفر من الحياة، فلا له، ولا عليه شيء.
فهو نجح في الخلاص من آلامه، لكن ذلك استنفذ كل جهده وطاقته؛ فلم تعد لديه القدرة على تحقيق أهدافه.
الصنف الثالث: من يعيش فوق مستوى درجة صفر في الحياة بأي درجةٍ كانت، وهنا يتفاوت الخلق تفاوتاً كبيراً في تحقيق أهدافهم، وترك أثراً طيباً ينفع الناس.
إن على الإنسان أن يكون أكثر قدرة على قراءة هذا التكوين لطرفي معادلة الحياة، وما قد يلحق بهما من تبعات.
وأولى خطوات هذه القراءة، هو محاولة تَهجْي الكلمات الأولى للحياة (ألم، أمل)، والتَّحلّي بالشجاعة وقوة الإرادة، وإدراك أن الحياة خُلقتْ على كدر، وعلينا تقبُّلها، ومحاولة إيجاد ذواتنا وسط أجواء هذه المعادلة.
كذلك علينا أيضاً الوعي بفداحة الخطأ الجسيم الذي يقع فيه الكثير، وهو استعذاب الألم، وصنع المزيد من سيناريوهات الحزن.
يقول الروائي السعودي عبده خال والحاصل على جائزة البوكر في روايته الشهيرة (الموت يَمرُّ من هنا):
‏”نحن نخلق أحزاننا بغباء، ونُمعن في تضخيمها؛ لتحيل حياتنا إلى كابوس مريع”.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

4 تعليق على “ناجح بدرجة صفر!

أحمد بن مهنا

شعرت عند الانتهاء من قراءة هذه المقالة اللذيذة بتنوع نكهاتها الأدبية أن خلاصة من القول ينبغي ألا تغيب وهي أن الجهل الجاثم بسبب عدم وجود الطارد له هو الجالي لكل بلاء ..
رسولنا عليه الصلاة والسلام مع وجود النصائب والابتلاءات الكثيرة في سيرته كان دائم البشر ، ضحوك السن ، وهو كذلك كما ورد في صفته ” الضحوك القتال ” صلوات الله وسلامه عليه . ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه ، أو منفيا . .. شكرا لك أ.سليمان كتاباتك تثير نشوة الفكر نحو إصلاح الحياة وتجويد الخطا في سير الأحياء

سليمان مُسْلِم البلادي

وافر الشكر والتقدير ا.أحمد لأناقة الحضور،وثراء التعقيب.

شوقية الانصاري

رحلة الاكتفاء أعادتنا للصفر حيث الطفولة دون ارتواء
مقال اكتنز من فلسفة الحياة لغة تمكنت من قراءة الواقع وهندسة أحوال أهلها وفكرهم المتحول من الصغر حتى ذلك الرقم الذي يشكّل معالم هويتهم.. أجد في عبارة الفيلسوف (إبراهيم الكوني) ما يفسر فكرتك أيضا:
“يتعلم الانسان طويلا قبل أن يتقن اللغة التي يتحدث بها إلى نفسه”
النماء مطلب لزيادة قيمة الصفر وهنا أقول: (قيادة الذات سرّ لمن غاص في بئر تكوينه، فيبصر خيطا يرمم منه قميصه، ليكون برهانه ويقود بالحياة دليله)
✍🏻شوقية_الأنصاري

بدر الخيري

يظن الشخص أن نقطة الصفر فشل وبهذه الفلسفة الأدبية أصبح الصفر نقاء ونجاحاً للهروب من مستنقع الغوص في الألم ليفتح لنفسه الطريق متجهاً نحو الأمل .
أحسنت أخي الأستاذ سليمان لا فض فوك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *