الْعَمَلُ التَطَوُعِيُ .. عَطَاءٌ وأَجْرٌ

يعد “العمل التطوعي” من الأعمال المحببة للنفوس ، والتي تشرئب لها الأرواح ، لما يترتب عليه من الأجر والثواب عند الله تعالى في الدارين .

والتطوع في اللغة مأخوذ من “الطَّوْعُ” : وهو نقيض الكَرْهِ . ومنه قول الشاعر:

وقد قادَتْ فُؤادي في هَواها
وطاعَ لها الفُؤادُ وما عَصاها

وفي الإصطلاح : هو ماتبرع به الإنسان من ذات نفسه بطيب خاطره تطوعاً منه دون مقابل راجياً نيل الأجر من الله عزوجل.

وقد حث الإسلام على “العمل التطوعي” ودعا إليه لتحقيق الترابط والتآلف والتآخي بين المسلمين فقال تعالى:{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}.

قال الشيخ ابن سعدي – رحمه الله – : “فدل هذا, على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله, ازداد خيره وكماله, ودرجته عند الله, لزيادة إيمانه. ودل تقييد التطوع بالخير, أن من تطوع بالبدع, التي لم يشرعها الله ولا رسوله, أنه لا يحصل له إلا العناء, وليس بخير له, بل قد يكون شرا له إن كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل”.

والعمل التطوعي هو من ضمن الأعمال الصالحة التي فيها نفع الناس والإحسان إليهم بما هو جائز في شرعنا ؛ ويدخل في عموم العمل المثاب عليه والممدوح في مثل قول الله تعالى:{إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُم أَجرٌ غَيرُ مَمنون}.

وقد ثبت من حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله ﷺ : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

وقال الحسن البصري – رحمه الله – : ” لأن أقضي حاجة لأخ أحب إلى من أن أصلي ألف ركعة ؛ ولأن أقضي حاجة لأخ أحب إلي من أن أعتكف شهرين” .

وهكذا ديننا الحنيف يؤكد على أهمية الأعمال التطوعية وروح المحبة والتساوي بين المسلمين وذلك بتقديم العون والمساعدة من أجل العمل على تحقيق الخير والنفع في المجتمع عموماً ولأفراده خصوصاً.

وهناك عدة عوامل تدفع المسلم للقيام بالأعمال التطوعية ومن أبرزها:

أولاً: إبتغاء الأجر والثواب:
فقد وعد الله تعالى بعظيم الأجر والثواب لأهل العطاء من القائمين على الأعمال الصالحة التطوعية قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}.

ثانياً: إكتساب رضا الله ومحبته:
فأعظم ما يناله العبد هو رضا الله ومحبته ولا يتم ذلك إلا بكثرة الطاعات والتنويع في العبادات لما ثبت من حديث عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: ” إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه”.

ثالثاً: مغفرة الذنوب والخطايا:
وهذا مما يدفع الإنسان إلى المسارعة في الأعمال التطوعية والإستمرار فيها عملاً بقوله سبحانه:{وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

قال الشيخ ابن سعدي – رحمه الله – : “ثم أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها”.

وثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: “بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه. قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ: “في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ”.

وهذا الحديث يبين لنا بأن الحسنات العظيمة قد يغفر للعبد بها ويدخل بها الجنة وقد تكون سببًا لتكفير سيئاته، فيجب على المسلم أن يحسن ظنه بربه ولا ييأس ويجتهد في فعل الخيرات والمداومة على الأعمال الخيرية والتنويع فيها ويرجو بذلك فضل ربه وكريم مغفرته وإحسانه .

وعليه ينبغي لكل فرد محب لمجتمعه أن يشارك ويبادر في الأعمال التطوعية ويقدم أفضل ما لديه لكي يصبح فرداً نافعاً لمجتمعه ولكي يحظى بالأجر والمثوبة من الله عزّ وجلّ، جزاء ما قدم من أعمال تطوعية عظيمة تنفع البلاد والعباد.

🔘 إضاءة :
إن نشر ثقافة “العمل التطوعي” بين أفراد المجتمع تساعد في النهوض والتطور المجتمعي.

الأحد ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٥هـ
بمكة بلد الله الحرام

خالد بن محمد الأنصاري

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “الْعَمَلُ التَطَوُعِيُ .. عَطَاءٌ وأَجْرٌ

هاجر

جزاك الله خير الجزاء استاذنا خالد الأنصاري 🌼 على التذكير الدائم والمشاركة في أعمال الخير فعلاً الْعَمَلُ التَطَوُعِيُ ..🌴 عَطَاءٌ وأَجْرٌ 🌴
فالعمل التطوعي سمة المجتمعات الحيوية، لدوره في تفعيل طاقات المجتمع، وإثراء الوطن بمنجزات أبنائه وسواعدهم. والتتطوع مجالات متنوعة في المكان ، والزمان ، والمجال الذي يناسب مع الخبرات والمهارات في شتى المجالات ، لذلك دعوتي كن جزءًا من رؤية المملكة 2030 فهو أحد أهدافها 🌼

غير معروف

جزاك الله خيرا بارك الله فيك في ميزان حسناتك
العمل التطوعي، والسعادة، وجهان لعملة واحدة، ففي العمل تشعر أنك تنجز، وتنمو، وتتقدم، وفي السعادة التي تحصل عليها تشعر بالهدوء النفسي الذي يساعدك في إنجاز أكبر في عملك.

فائزة

جزاك الله خير بارك الله فيك وفي قلمك
التطوع خلق لروح الجماعة، والتضامن في المجتمع. التكافل، والتعاون، والمشاركة، والعطاء، والثقة، والتضحية، والإيثار. تنمية للإبداع، وروح للتجديد.
العمل التطوعي، والسعادة، وجهان لعملة واحدة، ففي العمل تشعر أنك تنجز، وتنمو، وتتقدم، وفي السعادة التي تحصل عليها تشعر بالهدوء النفسي الذي يساعدك في إنجاز أكبر في عملك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *