شاهي جمر!

يميل الإنسان بطبعه إلى حياةٍ ذات دَعةٍ وراحةٍ، لا مشقة فيها تُنَغصُّ عليه صفو حياته.
ومن أمثلة ذلك، أن يتنعمَ بحياةٍ رغيدة؛ يجد فيها كل متطلباته متوفرة لا تبتعد عنه مسافة زمنية سوى أنه يطلب ما يرغب من مأْكلٍ أو مشرب.
ويبقى هذا الميل إلى عيْش الدَّعة أمراً يصعب توفُّره لكثير من الناس، ويكون أقرب ما يمكن وصفه بالنُّدرة؛ لقلة تحقُّقه، والحصول عليه.
إنَّ كينونة الحياة تفرض علينا التعامل معها وفق ما خُلقتْ عليه، وفي هذا حكمة عظيمة لا تخفى على أولي الألباب.
وبين عيْش حياةٍ مُتْرَفة، وعيْش حياةٍ ذات نَصَبٍ؛ يكون الإنسان توُّاقاً إلى ما يفتقده، زاهداً فيما يمتلكه؛ فتجد ذلك المُتْرَف يسعى جاهداً لتغيير نمط حياته، عبر الاعتماد على نفسه تارةً، وتجريب أشياء جديدة لم يعتد عليها.
في حين تجد ذلك المسحوق في حياته، يرغب في خوض تجربة هانئة؛ لعلَّها تُنسيه بعض الشقاء الذي يعيشه.
ويمكننا استحضار حالتي الذَّهاب إلى مقهى حديث، أو المرور بعربة على قارعة الطريق تبيع شاهي جمر؛ للدلالة على هاتين الحالتين.
ويمكننا النَّفاذ إلى قلب هذه الدلالة عبر إدراك أن العقبات التي نواجهها في حياتنا ما هي إلَّا اختبار حقيقي لمدى تحلينا بالشجاعة والجسارة النفسية اللازمة، وبتجاوزها يزيد رصيد ثقتنا بأنفسنا، وبالتالي نصل إلى درجة جيدة من تقدير ذواتنا؛ مما يمنحنا المزيد من الوقود لمواصلة مسيرة الحياة.
ومن الدلالات أيضاً التي يمكن استخلاصها، أنَّ ذلك المُتْرَف يصل إلى مرحلةٍ من عمره، أن يخلق لنفسه صعوباتٍ، ومن ثم يعمل على تجاوزها،بالرغم من توفُّر لديه كل ما يريد.
إنَّ الرمزية التي تكمن في مروره على تلك العربة التي تبيع شاهي جمر،تكون في ضرورة بذْل الجهد، والسعي دوماً للوصول إلى أهدافنا، بالرغم من ما قد يلحق بنا من رائحة احتراق الحطب، والدخان الذي يعلو رؤوسنا.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

6 تعليق على “شاهي جمر!

أحمد بن مهنا

فعلا بل وثابت أن مابين سوق الحياة ومافيه واحتياجاتنا النفسية ترابطا حياتيا كبيرا…. يدفعنا على أن نعيش الحياة بأساليب تجلب لنا متطلباتها الفطرية أساسا
والمتطورة بأسباب من أنفسنا نماءً ! قلت فعلا : والشاهد الواقع كما أشار هذا المقال إليه.. وقلت ثابت : فالأدلة الشرعية وافرة وتؤكده … لكن مالفت إليه كاتب المقال الأستاذ القدير سليمان البلادي هو الذي يثير التفكير الباني ويدفع لقراءة هذا المقال تنشيطا للعقل ، ونقرأه تكرارا للاستمتاع ، فمن ثمار إعمال الفكر حصول المتعة الراقية. شكرا

فايزة احمد

رائع ما كتبته أ. سليمان وكعادتك عندما تكتب فأنت تلفت الانتباه لأمر واقع وحقيقي ..لكن مع زحمة الحياة لانفكر في كثير مما يحصل حولنا

بدر الخيري

دائماً ما نجد في الحياة حياة .
فالحياة اختيار والسعادة قرار.
فطالما حياتنا كانت نتيجة اختيارات سابقة ، فلابد أن نقرر السعادة بما ننعم به في خضمها ونستمتع بمتغيراتها وتحدياتها فشرب شاي الجمر قرار بأن نسعد به في لحظات من الحياة ، وانبعاث الدخان تحدي لا يعيق المتعة طالما نجد الحلول لتجنب أثره السلبي ونأخذ منه رمزية المكان ونعيش اللحظة بين رشفة ورشفة ونمزج رائحة دخان الحطب بما اختلط بمذاق الشاي ، ولا ندري أين يأخذنا سليمان البلادي في رحلته القادمة أو نأخذه معنا .

سليمان مُسْلِم البلادي

وافر الشكر والتقدير أستاذنا ا.أحمد بن مهنا الصحفي
إثراء رائع.

سليمان مُسْلِم البلادي

بارك الله فيك ا.فايزة
كل الشكر والامتنان لمروركِ البهي.

سليمان مُسْلِم البلادي

عاطر التحايا ووافر الود ا.بدر الخيري
أكرمتني بحضورك الأنيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *