مصابيح الهدى (٧) : حمزة سيد الشهداء

حمزة بن عبد المطلب بن هاشم القرشي

هو حمزة ابن عبدالمطلب ابن هاشم القرشي عم الرسول صلى الله عليه وسلم و أخوه من الرضاعة و أحد وزرائه الأربعة عشر، . لُقب بسيد الشهداء،  و أسد الله و أسد رسوله، و يكنى أبا عمارة، . 

أسلم حمزة بن عبد المطلب في السنة الثانية من بعثة الرسول محمد، و كان سببُ إسلامه أن أبا جهل اعترض  الرسولَ محمداً عند جبل الصفا ، فآذاه و شتمه و نال منه ما يكره من العيب لدينه و التضعيف له، فلم يكلمه الرسولُ محمدٌ، و مولاةٌ لعبد الله بن جدعان القرشي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ، ثم انصرف عنه ، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم.

و لم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، و كان إذا فعل ذلك لا يمر على نادٍ من قريش إلا وقف و سلم و تحدث معهم، و كان أعزَّ قريش و أكثرهم هيبة و أقواهم شكيمة  ، فلما مر بالمولاة، و قد قام الرسولُ عليه السلام  فرجع إلى بيته، قالت له: «يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابنَ أخيك من أبي الحكم آنفاً، وجده ههنا فآذاه و شتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه و لم يكلمه محمدٌ»، فاحتمل حمزةَ الغضبُ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، مُعداً لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: «أتشتمه و أنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك علي إن استطعت»، و قامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: «ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت»، فقال حمزة: «وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسولُ الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين»، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عمارة، فإني و الله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً»، و تم حمزة على إسلامه و على ما بايع عليه الرسولَ محمداً من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن الرسولَ محمداً قد عز و امتنع، و أن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه ، شهد مع رسول الله بدراً و أُحد ، و لم يبارز حمزة أحداً إلا قتله.

و في يوم أحد بعد أن قتل ثلاثين من المشركين تربص له عبد حبشي اسمه وحشي بإيعاز من سيده حتى تمكن منه فرماه بحربة فاستقرت في خاصرته فمات شهيداً رضي الله عنه ، و خرج عليه السلام يلتمس حمزة ، فوجده ببطن الوادي قد بُقر بطنه عن كبده، و مُثِّل به، فجُدع أنفه و أذناه ، فقال : «لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا ولولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم»، فلما رأى المسلمون حزنَ الرسولِ محمد و غيظَه على من فُعل بعمه ما فُعل، قالوا: «والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب» ، فلما  نزل النهي عن المثله عفا عنهم .

و أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه، و كان أخاها لأبيها و أمها، فقال الرسولُ محمدٌ لابنها الزبير بن العوام: «القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها»، فقال لها: «يا أمه، إن رسول الله  يأمرك أن ترجعي»، قالت: «ولم؟ و قد بلغني أن قد مُثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبن و لأصبرن إن شاء الله»، فلما جاء الزبير إلى الرسولِ محمدٍ فأخبره بذلك، قال: «خل سبيلها»، فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه و استرجعت و استغفرت له، ثم أمر به الرسولُ محمدٌ فدفن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *