المسافة الآمنة

يأنس الإنسان بقرينه، ويجد الراحة عند اللقاء والسعادة عند الاجتماع.

الوحدة تجعل الإنسان في غربة وضيق، وهو لا يعتاد على العزلة. ولذلك جعلوا السجن عقابًا للمذنب، وفي وجه آخر يجد البعض في العزلة راحة واطمئنانًا لما يجد من ألم وانكسار وخيبة كبيرة من أقرانه.

إذاً هناك سعادة وراحة وهناك ألم وحسرة ناتجان من اللقاء بالآخرين والتقرب منهم .كافكا يقول:
“في علاقتي مع الآخرين جزء طفيف مني يتوسل المواصلة، وجزء هائل مني يرغب في الهروب” هذا يذكرني بقضية القنفذ في الأجواء الباردة، فهو يحتاج إلى الاقتراب من أقرانه والالتصاق بهم بحثًا عن الدفء، ولكن ينتج عن هذا الاقتراب ألم وجراح، ولذلك يبتعد القنفذ من جديد ويعاني من شدة البرد.

في عام 1851 تأمّل الفيلسوف الألماني شوبنهاور موقف حيوان القنفذ هذا واعتبرها واحدة من معضلات الإنسان الاجتماعية النفسية، وسماها: (مُعضلة القنفذ) Hedgehog’s dilemma.

وأشار “شوبنهاور” إلى أن الإنسان الوحيد يشعر باحتياج شديد لأن يقترب من الناس ويتفاعل معهم، وأنّ الوحدة تبقى قاسية جدًا ومؤلمة بالنسبة للإنسان الطبيعي (مثل البرد بالنسبة للقنفذ)، فيقرّر أن يفعل مثل القنفذ ويبحث عن أبناء جنسه ويلتصق بهم من أجل الدفء النفسي.

ولنستوعب كيف لنا أن نتقرب من غير ألم ولا حرج ولا فراق، وإن وقعت بعض الجراح التي قد تكون غير مقصودة لنطبق نظرية القنفذ، فإن القنفذ وجد حلًا لهذه القضية، سماها شوبنهاور الـ safe distance (المسافة الآمنة)، فاستطاع القنفذ أن يختار مسافة معينة من السلامة، مسافة تضمن له الدفء الكافي، وفي الوقت نفسه أقل درجة ممكنة من الألم.

فاجعل بينك وبين الآخرين مسافة آمنة.

أنور بن أحمد البدي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *