في القرن التاسع عشر الميلادي بالهند، رأت السلطات أن هناك الكثير من أفاعي الكوبرا تنتشر في الطرقات، وكانت تتسبب في إزعاج حياة المستوطنين البريطانيين وعائلاتهم؛ ولحل هذه المشكلة عرضتْ السلطات مكافأة مقابل كل أفعى يأتي بها الأهالي، فما كان من أصحاب الجرأة منهم إلَّا أن أخذوا يربون الأفاعي، ويعملون على تكاثرها؛ ليكسبوا المكافأة، ثم اكتشفتْ الحكومة ذلك، فألغتْ برنامج المكافأة، ونتيجة استياء مربي الأفاعي من القرار؛ قاموا بإطلاق أفاعيهم إلى الطرقات مرةً أخرى، وتضاعفت بذلك أعداد الأفاعي بنسبة 100% قبل شروع الحكومة ببرنامجها.
وفي حياتنا اليومية، نجدُّ مثل هذه المتلازمة ذات حضور كثيف في مشهدنا الاجتماعي.
وسبب ذلك، هو أنه نتيجة قلقنا من شيء ما في الزمن الحاضر؛ ننتهز حلاً لهذا القلق دون أن نمعن التفكير في سياق المشكلة، وجذورها، والعواقب المحتملة غير المقصودة التي يمكن أن تتمخض عن ذلك الحلّ؛ وبما أن الغالب علينا هو ردّ الفعل -لا إعمال الفكر- فإن تصرفاتنا ترتكز على معلومات غير كافية؛ فلم يكن فقراء الهند يحتقرون حكامهم المحتلين، ولن يرضوا أن يخسروا عن طيب خاطر نقودهم دون أن تعود عليهم بأرباح.
ولذلك؛ فعندما نعمل بِناءً على نظرة مشوُّهة؛ فلن نحصد إلَّا تأثيرات مناقضة لأهدافنا.
إنَّ أي فعل يحدث؛ سيطلق سلسلةً لا حدود لها من ردود الأفعال والاحتمالات.
فالأمر ليس بسيطاً بمثل بساطة أن ( أ ) تؤدي إلى ( ب )، بل لابد أن ( ب ) ستؤدي إلى ( ج ) وسنصل إلى ( د ) وما هو أبعد من ذلك.
صحيح أنك لا تستطيع أن تحدد تفاصيل هذه السلسلة، أو قد لا تستطيع السيطرة الكاملة على عواقب الأمور، لكنك عندما تجعل تفكيرك تفكيراً سببياً “الأخذ بالعواقب”؛ فإنه بإمكانك على أقل تقدير أن تدرك العواقب السلبية بالغة الوضوح التي يمكن أن تنشأ.
والغالب أن ذهابك في متسلسلة التفكير هذه؛ سيقنعك بالحكمة في عدم التَّسرُّع باتخاذ قرار غير مدروس، وأن الحكمة أيضاً في الانتظار والتَّريُّث.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي