إنا لله وإنا اليه راجعون
توفي العم عبدالعزيز بن عبدالله التويجري، رجل التعليم النظامي الأول في الطرفية الشرقية حيث افتتحت المدرسة عام ١٣٩٠ هجري، وكان هو المدير والمعلم دفعتي هي أولى من درس فيها، فقد كان حازما جادا في عمله ومع طلابه، ويتابع بنفسه وعلى سيارته الخاصة متطلبات المدرسة، ومدير نحبه ونهابه لأنه كان منصفا غير متحيز في بلدة فيها أسرته ومن كل القبائل والأسر.
كلفني في الإجازة بكتابة كتاب (الهجاء) القراءة فكان جزء من حسن خطي لأن خطه جميل، وكلما انتقل معلم عن المدرسة تابع مع الإدارة التعويض والبديل فلم نجلس يوما بدون معلم، وإذا التبس عليه المسيء من الطلاب (تعرفون عبث الصغار) وتكتمنا عليه عاقبنا جميعاً، برغم وجود الشغب بين الطلاب عند الخروج من المدرسة لايمكن أن يحدث خصام لأنه ينتظر حتى آخر طالب وينصرف الكل، وكان أول من يفتح المدرسة وآخر من يخرج.
تابع تطورات المدرسة من حيث اكتمال كل المراحل حتى الثانوي بمطالبات ملحة مع الإدارة، وتابع تطور المباني من الطين إلى الشعبي ثم المسلح الخرسانة، وكان بعض المعلمين مغتربون عزاب فمن تخلف منهم ذهب إليه في السكن وايقضه واحتوى المشكلة.
إنه نعم المربي حتى في الشارع، فله قيمته وهيبته، وكان يتولى الحديث في كتب السنة والمواعظ في الجامع وفي رمضان، ولما تخرجت من المتوسطة فتحت درساً مبسطاً في الجامع، ولتواضعه وتشجيعه كان أول من يحضر الدرس وكان من بيننا المؤذن العم إبراهيم بن عبدالكريم التويجري ومحمد خان باكستاني، وآخرين.
كان يقف في باب المدرسة صباحاً حتى تصل سيارة النقل الطلابي التي تأخذ الطلاب من المزارع القريبة والبعيدة من مزارع البطين، والمطلق وكان حينها المتعهد العم محمد بن عبدالرحمن التويجري رحمه الله، وكان نعم الوسيط في أي خلاف يقع بين الطالب والمعلم أو بين المعلم وولي أمر الطالب إذا حدث خلاف، فلم ترفع إلى الإدارة أي شكوى، وبعد تقاعده استمر يتواصل مع المدرسة حباً للتعليم، وشعوراً بالأبوة للطلاب.
إستمر التقدير والإحترام والإحتفاء، فقد أُعد له بعد التقاعد حفلاً خطابياً حضره نخب الأساتذة الذين زاملوه، والطلاب الذين تخرجوا فيها والأولياء، ومن دواعي سروري كلمة وفاء ألقيتها أمامه، وكنت محتفظاً بورقة بخطي لمادة المطالعة (الهجاء، القراءة) من أولى ابتدائي فضممتها إلى نسخة من شهادة الدكتوراه إشارة إلى أنه من فتح القوس وعلمنى فك الحرف فسلمته الورقة والشهادة ونسخة من الرسالة، كان فخوراً بنا ونحن به نفتخر.
رزق ذرية بررة فقد احتفوا به في كل أوقاته وملأوا عليه وقته وقاموا بما يحقق مناه في تجاور سكني ومسجد مجاور انقطع فيه آخر حياته، وبعد تطواف طويل ووعثاء الحياة الصاخبة آثر التقليل من الخلطة واعتزل المجالس بعد أن كان رائداً فيها، تهيأ للقدوم على الله بهدوء فرحل عن دنيانا يوم الأثنين ٢٤ رجب ١٤٤٥هـ، وتمت الصلاة عليه يوم الثلاثاء بعد الظهر بجامع بلدته التي نشأ فيها الطرفيه الشرقية ووري الثراء في مقبرتها، رحم الله العم أبا فهد، وطيب ثراه وغفر له وأحسن مثواه، وجبر مصابنا فيه، الطرفية كلها ومن جاورها أو زارها يتذكر أبا فهد والعزاء موصول لكل أساتذتي الذين زاملوه وعاصروه فإن رجال العلم والتعليم كوكبة تضيء للسائرين دروبهم ومن حقهم علينا الاحتفاء والتسامح والوفاء، وإنا لله وإنا اليه راجعون.
ـــــــــــــــــــــــــ
د.صالح التويجري
مقالات سابقة للكاتب