سَعدُت يوم الجمعة الثاني عشر من شهر رمضان المبارك ، بلقاء أبناء الشيخ حسن عبد الصمد محي الدين الشيخ و أحفاده ، و قد نزلت صحيفة غران الإلكترونية ببرنامجها [ على مائدة الشيوخ ] عند عائلة الشيخ حسن عبدالصمد الشيخ؛ كأول أسرة تلتقي بها الصحيفة في هذه الزاوية الجديدة.
ولد الشيخ حسن عبد الصمد محي الدين عبد القادر الزيلعي العقيلي بمركز أم الجرم في عام 1333 هـ ، و توفي والده و هو يبلغ من العمر 10 أعوام ، و يعود نسبه إلى الزيالعة المتصلين بالشيخ الفقيه أحمد بن عمر الزيلعي العقيلي ، نسبة إلى عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، و توفي الشيخ حسن عبدالصمد في شهر صفر من عام 1415 هـ.
لأول مرة أحل ضيفاً بمنزل رجل خليص الاعتباري الأول ، و الذي بحق خلّد إرثاً كبيراً من نبل الأخلاق و كريم السجايا و العطاء اللامحدود ، بسط الدار و المال و النفس للإصلاح بين الناس و مد يد العون و المساعدة للجميع ، و بنى جسور من العلاقات الكبيرة مع أسر من خارج خليص و داخلها ، و قد استطاع بصدقه و كرمه و علو همته أن يُجيّر تلك العلاقات لصالح أهله و منطقته خدمة ليس يبتغي منها مقابل سوى ما عند الله .
تحدثت مع الأبناء و أبناء الأبناء و الأحفاد عن حياة والدهم – رحمة الله عليه – ، و في حين وضعت لهذا الحديث مدة ساعة و نصف غير أنها امتدت لثلاث ساعات و ما ذاك إلا لطيب ذكرى رجل فذ شهم دوّن تاريخ بمداد من ذهب و سطر حروف نُقشت على جدار الزمن يصعب على المؤثرات الزمانية محوها ، كما أنني لمحت تسابق و حرص الأبناء على الحديث عن والدهم و حق لهم ذلك.
كنت استمع لكل ابن و هو يتحدث عن والده و اقرأ في العيون كل الفخر و الاعتزاز بهذا الأب الذي تقف أعماله و أفعاله كالطود تعجز أن تصل لمثلها ، فحدثوني عن عاداته و تقاليده و هباته و إصلاحه بين الناس و مرجعية الناس له في كل صغيرة و كبيرة؛ حدثوني عن مواقف نبيلة وقفها والدهم أثناء أزمات حدثت بخليص و وصفوا لي نهجه في تربية الأبناء و العدل بين الزوجات الثلاث ، و عن عبادته و حسن سريرته و صمته و سمته و قليل حديثه مع فصل كلامه ، حتى إذا تحدث أوجز و إذا عمل أنجز و إذا نظر قضي الأمر و انتهى.
و قد ضربوا لي عدداً من الأمثلة و القصص التي سأذكر البعض منها على عجل دون تفصيل؛ و إلا فهي تستحق أن يُفرد لها كتاب ، و ما أنا هنا إلا كعابر سبيل نزل ببستان قد أذن له فقطف من أزهاره و هو على عجل .
و لكن قبل ذلك أحيل القراء الكرام إلى ما أهداني إليه الدكتور عبدالمنعم الشيخ من كتاب يتألف من جزئين و يتناول السيرة الذاتية الخاصة بالشيخ حسن عبدالصمد؛ من تأليف أحد أحفاد الشيخ الكاتب الأستاذ محمد علي الشيخ .
و لعلي أثري القراء الكرام ببعض ماحدثني به الأبناء و الأحفاد من مواقف لوالدهم – رحمه الله – ، حيث تطرق الحديث إلى الخدمات الصحية و كيف سعى إلى إحداث مستوصف في زمن كان أشد مايكون الناس في حاجة إليه و تبرعه ببناء مقر المستوصف و العمل على الإشراف عليه ، و قس على ذلك استحداث مكتب الزراعة و السعي إلى توفير عدد من الخدمات الحكومية.
و استطرد ابنه المهندس عبدالهادي بالحديث عن مجريات و أحداث استئجار العين العزيزية لعيون خليص و كيف أنه قابل الملك فيصل ضمن وفد من أجل رفع الضرر عن مزارعي خليص ، و كيف تم تعيينه وكيلاً للعين العزيزية ، و استقباله لقاضي محكمة رابغ بمنزله الذي أصبح مكتباً تجري فيه عقود استئجار عيون و مياه خليص.
و وصف لي الدكتور عبدالمنعم طبيعة والده في السفر ، و ضرب مثلاً حينما زاره والده بألمانيا للعلاج و قام حينئذ بتوكيل ابنيه في تدبير الأمور ، كما ذكر خلال حديثه استضافة رجل لهم أثناء زيارتهم للمغرب و التي كانت موفقة ولله الحمد و بُني عليها فيما بعد علاقات و زيارات مابين خليص و الدار البيضاء.
فيما حدثني المهندس عبدالمعتني عن زيارة قام بها مع والده في ليلة كئيبة على أحد أحياء شرق خليص ، حينما احترق الحي بأكمله و ماكان من والده إلا أن وقف على بيوت الحي بيتاً بيتاً و قام بتسليم كل واحد منهم مظروفاً بيد سخية خفية .
و حدثني حفيده اللواء عادل محمد حسن عن دقة مواعيده دون أن يدون ذلك ، حيث أخبر أن والده كان يتابع أكثر من قضية في يوم واحد و يقوم بإبلاغ المتخصصين أو أصحاب الحاجات بالموعد الذي لايخلفه أبداً ، و حدثوني كذلك عن زياراته الليلية للمرضى فيتلو عليهم من القرآن ما يُسّر له ، و يقضي حوائج من يجدهم في طريقه أثناء مروره مابين المزرعة و المنزل .
و تمتد قصص الشيخ حسن عبدالصمد لبعد مماته و تنكشف للأبناء بعض أعماله الطيبة ، كالتي نجدها في قصة المرأة التي أتت تعزي فيه و أهله لايعرفونها، و وروت لهم موقف والدهم معها حينما لجأت إليه ذات يوم باكية شاكية زوجها الذي طلقها و أخذ ابنتها و هي بالحضانة و غادر إلى رابغ ، فما كان من الشيخ باليوم التالي إلا و ذهب إلى أمير رابغ الذي استدعى الرجل و طلب منه إحضار الابنة و تسليمها للشيخ حسن ، و بالفعل لم يحل مساء ذلك اليوم إلا و الابنة في أحضان والدتها التي قالت “فعشت داعية ذاكرة له ذلك“ .
كان – رحمه الله – يتوقف عن العمل يوم الجمعة و يخصصه لاستقبال الناس من الصباح و حتى المساء كي يقضي حوائجهم و يفصل بالحق بين المتخاصمين و يستقبل الزوار و الضيوف ، و كان يسبق المؤذن للمسجد ، كما ذكر لي الشيخ عبدالهادي أنه في عام 1390 للهجرة استمع والدهم لدعاء القنوت من الشيخ الخليفي بالحرم المكي الشريف و قرر حينها قضاء شهر رمضان كل عام كاملاً بالحرم معتكفاً .
و هو أول من اعتاد أن يشد الرحال للمدينة صيفاً و يمكث بها قرابة عشرة أيام متفرغاً للعبادة ، و قد أخذ حي المغاربة منه – رحمه الله – هذه العادة .
رحم الله الشيخ حسن عبدالصمد ، الذي جمع بين مشيخة السن و مشيخة العلم و الفضل ، و مشيخة المال و الكرم ، و مشيخة الرئاسة ، فكان أمة في رجل و رجل بأمة و برحيله فقدت خليص هوية القيادة الاعتبارية التي هي من الأهمية بمكان لجمع الكلمة و تحديد الرؤى و تقريب المتباعد و إبعاد المتشابه و رسم هوية محافظة خليص .
و قد قال فيهم الشاعر حسن بن جواح :
سلام مني يا أهل خليص مزيون .. عد المطر لا ناض بارق سحابه
سلام صادق من هوى الروح مفتون .. ريح المودة و الغلا في ثيابه
سلام تسمع في صدى صوته لحون ..يوم يطري لي وشوق قلبي سرى به
يم الشيوخ اللي تعالوا على الكون .. قوم المكارم و الفخر و المهابة
قوم تحب الجود و للضيف يوفون .. و كل على صدق الفعايل تشابه
إليا طريت الطيب بالطيب يطرون .. أحفاد هاشم وارثين الذرابة
استمر أبناء الشيخ على عادات والدهم و ما أسسه فيهم من ترابط و تواصل و تعزيز للعلاقات فيمابينهم ، فتجد لديهم عادة أسرية خلال شهر رمضان المبارك تمثلت في تبادل الأخوة و الأخوات و الأحفاد من البنين و البنات الزيارات في أول جمعة من رمضان و يلتزم الجميع بذلك كما أخبروني .
و فيما يختص بالعيد؛ يقول أبناء الشيخ حسن أن والدهم كان قد اعتاد أن يُعيّد باليوم الأول على كل بيت على حدا ، و في اليوم الثاني يبدأ استقبال المشايخ و الأعيان من كل مكان ، حيث تكون هناك حالة استنفار تام من الأبناء لإستقبال وإكرام الضيوف .
أما في الوقت الحالي فرغم سكن كثير من أبناء الشيخ خارج خليص إلا أنه ما أن يتم الإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر شوال ، حتى يبدأ تحرك أكثر من 20 أسرة ممن يسكنون جدة متجهين إلى خليص و بالتحديد إلى منازلهم بحي المغاربة ، و عقب صلاة العيد تبدأ المعايدات مابين الأخوان و الأحفاد كل في منزله ، و يقومون بتوزيع ذبائح العيد على مدار خمسة أيام ، كما تُنصب خيمة بجوار منازلهم حيث يتم فيها استقبال المعايدين من خارج الأسرة و ذلك من بعد العصر و حتى منتصف الليل و يتم تجهيز وليمة عشاء للحاضرين .
لقد زرع الشيخ حسن في أبنائه هذا الترابط الأسري و التزم به هو منهجاً بحياته و سار عليه الأبناء و الأحفاد من بعده .
و في السياق ذاته ، أخبرني الحفيد عصام عبدالهادي الشيخ الذي وقف أمامي و قال أريد أن أقول لك حادثة حدثت لي مع والدي في أحد الأعوام؛ حينما لم نستطع الحضور باليوم الأول و الصلاة مع الأهل و الأخوة بخليص بسبب وجود طارئ في عمل والدي ، حيث أكد لي أن ذلك العام لم يشعر فيه بطعم و فرحة العيد ، و لك أن تتصور هذا الشعور عند الأحفاد في حبهم و تعلقهم بعادات و قيم تربوا عليها ، فما بالك بالأبناء العصبة الأولى .
– المهندس عبدالهادي حسن [ نائب محافظ تحلية المياه سابقاً ] :
حدثني عن المياه بمحافظة خليص و كيف يمكن سد العجز الذي يهدد بجفاف و ندرة المياه إذا لم يكن هناك حلول جذرية لهذه المشكلة ، و منها تطرق إلى مشروع تحلية خليص و سبب التأخر الذي يعود إلى ربطه بمشروع ضخم لصالح منطقة مكة المكرمة في الوقت الذي بدأ المشروع فيه خاص بخليص ، غير أنه يتوقع إنجاز المشروع قريباً و لايستبعد تسليمه لشركات خاصة و ذلك توافقاً مع رؤية المملكة و التحول الوطني و هو ماسيعجل في تنفيذه.
– الأستاذ عبدالعليم حسن الشيخ [ مدير المدرسة النموذجية الثانية بجدة ، و عضو مجلس منطقة مكة المكرمة ] :
كان حديثه معي ذو شجون إذ تركز حول عضويته بمجلس المنطقة و نقل رؤية و واقع محافظة خليص وجعل صوت المحافظة في مجلس المنطقة حاضراً ، و أبرز أهمية الموقع الجغرافي للمحافظة كونها تقع على طريق الهجرة بين مكة المكرمة و المدينة المنورة و بجوار مدينة الملك عبدالله الاقتصادية فكل ذلك يمنحها أهمية بالغة .
– الدكتور عبدالمنعم حسن الشيخ [ رئيس المجلس العلمي للزمالة السعودية للأنف والأذن والحنجرة ، و رئيس المجلس البلدي بمحافظة خليص سابقاً لثلاث فترات ، و مدير عام مستشفى الملك فهد بجدة ] :
و عن مدى رضاه بما تم إنجازه خلال الفترة الماضية بمحافظة خليص ، قال : “نعم لست راض تماماً عن ما أنجز خلال الفترة الماضية بالنسبة للمجلس البلدي بخليص ، و لكن ماتم يعتبر إنجاز إلى حد ما غير أن الطموح أكبر من ذلك“.
كما تطرق في حديثه إلى استحداث مستشفى خليص و كيف سعى إلى ذلك مستثمراً علاقته مع الوزير السابق الدكتور أسامة الشبكشي ، حتى أصبحت مستشفى خليص و خلال عام واحد واقعاً ملموساً و إن كان بها عجز أو تقصير واضح إلا أنها ستتطور يوماً بعد يوم و تقدم خدماتها الصحية بشكل أكبر و أفضل .
– المهندس عبد المعين حسن الشيخ [ مدير عام شركة الكهرباء بالمنطقة الغربية ] :
قال : “ ماحدث من انقطاع الكهرباء بشهر رمضان العام الماضي يعود إلى تعطل المحولات الرئيسية و الاحتياطية و هو الأمر الغير متوقع ، و مع ذلك تم إعادة التيار بوقت قياسي “ .
و اعتبر النقلة النوعية لكهرباء خليص تكمن في ربطها بالمحطة البخارية ، معتبراً أن محافظة خليص إحدى المحافظات التي تم دعمها بالتيار الكهربائي مبكراً ، حيث تم إيصال الكهرباء بها إلى المنازل و المزارع و المصانع؛ لتنعم خليص بهذه الخدمة التي هي عصب الحياة في زماننا هذا.
– المهندس عبدالعالي حسن الشيخ [ رئيس بلدية أبحر سابقاً ] :
تحدث معي حول مقارنة الخدمات المقدمة من قبل بلدية خليص بمثيلاتها من بلديات المحافظات ، حيث اعتبرها جيدة و لابأس بها و إن كان قد اتفق معي في عدم توفر بعض الخدمات الأساسية للشباب كالملاعب و الحدائق العامة ، مشيراً إلى أن خليص تحتاج لمزيداً من العمل و الإنجاز الذي يتطلع لتحقيقه في قادم الأيام .
“أ. علي حسن الشيخ“
“ م. فؤاد حسن الشيخ“
“د. عدنان حسن الشيخ“