وقال: ألا وإن الأعمال بالخواتيم، فاجتهدوا فما هي إلا أيامٌ معدودة، وساعاتٌ محدودة، ويذهب التعب والنصب، ويبقى الأجر إن شاء الله؛ ما هي إلا أيامٌ يسيرة وتُطوى صحفه، وتُختم أعماله، فيا سعادة الفائزين، ويا ضيعة الخائبين، يا ويح المفرطين، ويا حسرة الخائبين، ويا مصيبة الغافلين؛ صعد رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- المنبر فلمّا رقي عتبةً قال: (آمين)، ثمّ رقي عتبةً أخرى، فقال: (آمين)، ثمّ رقي عتبةً ثالثةً، فقال: (آمين)، ثمّ قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد مَن أدرك رمضان فلم يُغفر له فأبعده اللّه، قلت: آمين، قال: ومَن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده اللّه، قلت: آمين، فقال: ومَن ذُكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين”. رواه ابن حبان.
وأضاف البعيجان: إنكم في أيام عظيمة، وأوقات فاضلة، فلا تضيعوها في القيل والقال، وفي الغفلة والكسل واللهو واللعب، ولا تضيعوها بالاشتغال بالجوّالات ووسائل التواصل؛ اغتنموا أوقاتكم، اغتنموها في الصلاة والذكر وقراءة القرآن، اغتنموها في التوبة والاستغفار والدعاء والابتهال.
وذكر أن طرق الخيرات كثيرة، وأن أبوابها مفتوحة فأين الداخلون؟ فخذوا عباد الله من كل طاعةٍ بنصيب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وبين إمام المسجد النبوي، أن للعبادة المقبولة أثراً في الإيمان، فأثرها في القلب والجنان، إصلاح النية، وتزكية النفوس والتقوى، والإخلاص والخشوع لله الأعلى؛ وأثرها في الجوارح والأركان، الكف عن المعاصي والمحرّمات، والمثابرة على فعل الخير والطاعات، وقد قال تعالى عن الصلاة، (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)؛ وقال عن الصوم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛ فراقبوا الله في أعمالكم، فإن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، ورُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا العطش والجوع والنصب، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر والتعب، نسأل الله السلامة والعافية.
وأشار البعيجان؛ إلى أن من علامات قبول الأعمال، تغيُّر الأحوال إلى أحسن حال، والاستقامة على صالح الأعمال، والتوبة إلى الله -عز ّوجلّ-، فأروا الله من أنفسكم خيرًا.
وأوضح أن في العشر الأواخر ليلة خير من ألف شهر، تنزل فيها الرحمات، وتستجاب فيها الدعوات، وتكفر الخطيئات، وتغفر الزلات، مَن قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، وفيها تُكتب المقادير، ويفرق كل أمرٍ حكيم، فاحرصوا على قيامها، واجتهدوا في تحريها، وجدّوا في طلبها، وتضرّعوا إلى الله فيها، وحريٌّ بمَن التمسها ألا يخيب، والله ذو الفضل العظيم، وهي تُلتَمس في سائر ليالي العشر، وخاصة في الوتر منها، وما بقي منها إلا القليل.
واختتم البعيجان؛ الخطبة، بقوله: قد شرع الله في ختام هذا الشهر الكريم زكاة الفطر، فتجب على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، وتلزم الذكر والأنثى والصغير والكبير، وعلى الغني والفقير، يخرجها المسلم عن نفسه وعن من تلزمه نفقته، مبيناً المستحق لزكاة الفطر هو المستحق لزكاة المال، ومقدارها صاع من بر أو تمر أو شعير أو زبيب أو قمح أو أقط، أو ما يقوم مقام ذلك من قوت أهل البلد؛ كالأرز والحنطة.