أغلب مشكلاتنا الذهنية يُمكنها التسلل عبر شقوق محاولاتنا في سبيل إرضاء الأنا الداخلية التي تمثل الصوت الداخلي الذي يأمرنا بما يجب فعله، ويعبر عن رغباتنا العميقة وكبريائنا التي تجعلنا نتوهم أننا الأكثر تميُّزاً عن البقية، والأعلى تفرُّداً عنهم.
فالبشر محكومون بتيارٍ لا يتوقف من الأفكار التي تتدفق في رؤوسنا من لحظة استيقاظنا إلى أن نأوي إلى نومنا.
هذه الأفكار المتدفقة سببها صوت الأنا في رؤوسنا، الذي يشبه الغرور والتفرُّد، ولا يتوقف عن الصراخ والحديث المستمر حتى يزعجنا وربما يحرمنا من النوم الهانئ.
إن الخطأ الأساسي الذي يقع فيه أكثرنا هو الفشل في التعرُّف على الأفكار داخلنا؛ مما يسمح للأنا بِضَخّ الأفكار السلبية أكثر من الإيجابية، ويضاعف نهْمها للمزيد.
كذلك من الخطأ الذي يقع فيه الكثير، القصور الواضح في إدراك كينونة الأنا، وطريقة تعاطيها مع الأحداث.
فالأنا تنمو مع الأحزان، فهي لا تحب الحاضر، وتميل إلى الهروب إلى الماضي، أو المستقبل؛لذلك نجد أنفسنا عاجزين عن التخلُّص من ذكرى حبيب فقدناه، أو شيء عزيز لم نحصل عليه، أو تجربةٍ مريرة أحدثتْ فينا جرحاً غائراً، ونقفز من الاستمتاع بجمال الحاضر إلى اللهث إلى المستقبل.
مع أن حكيم قريتنا حذَّرنا من ذلك بقوله:
“عندما يكون لديك قدم واحدة في المستقبل، والأخرى في الماضي؛ فأنت تُفِّسد الحاضر”
لكننا زهدنا في قوله، وتماهينا مع أناتنا الزائفة.
فنحن -غالباً- نستجيب لكل ما نتعرض له بثلاث حالات: الرغبة في الشيء، أو رفْضه، أو الحياد حيث يكون الشيء خارج اهتمامنا، لكن هناك خيار رابع وهو: اليقظة.
حيث أن اليقظة تُمكّننا من التعرُّف على الأفكار والمشاعر المتولدة في أذهاننا، وتعمل على رفع قدرتنا على التركيز، وتعزيز إدارتنا لعقولنا وما يدور فيها.
ولعلَّ هذا يُفسِّر لنا ميْل الأغلبية -خاصةً في منصات التواصل الاجتماعي- إلى سماع الثناء والإطراء وكلمات الحُبّ؛ ليشعروا بالحب تجاه أنفسهم.
بينما تساعد اليقظة على رسْم خريطة لكل ما يجري في العقل؛ مما يُعطينا الإدراك الصحيح للحالة التي نمر بها ولأسبابها؛ مما يمكننا من التعامل مع المشاعر السلبية والأفكار وترويضها لصالحنا دون تجاهلها، وإدارتها بصورةٍ واعية بدلاً من أن نصبح تحت رحمتها.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي